أحلام ليلة صيف حارة - خولة مطر - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 3:40 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أحلام ليلة صيف حارة

نشر فى : الأحد 25 يوليه 2021 - 6:50 م | آخر تحديث : الأحد 25 يوليه 2021 - 6:50 م
لا أحد يعرف الصيف كما الخليجية والخليجى الذى عاصره وتعايش معه بعض الشىء ربما بمساعدة العديد من العوامل ومنها بالطبع التكنولوجيا المتقدمة فى التكييف والتبريد والمراوح وكل فنون العصر التى حولت بعض الصحراء إلى بعض الخضار أو ما يشبهه. رغم أن صيف الخليج لم يكن كما هو الآن والكثير منا يحمل صورا فى الذاكرة للنوم فوق أسطح المنازل والغطاء «الململ» المبلل بعض الشىء فيكون هو مكيف ذاك الزمن بمساعدة بعض النسمات وكثير من الخيال والقناعة وسماء تزينها نجوم وكواكب وأقمار.
***
وفى الخليج كانت هناك مصايف أيضا كما فى الدول العربية الكبرى.. فيرحل بعضنا إلى هناك، يقتربون من البحر حد التلاصق ويمضون النهارات الساخنة بعيدا عن حرارة الشمس وفيما تبعد الشمس قليلا يغتسلون بماء بحرهم.. هكذا كان الصيف ربما فى سنوات ما قبل النفط وطفراته عندما كانت الحياة بسيطة جدا والأيام تمضى فى بعض الرتابة الجميلة والوقت كل الوقت ملك الفرد وحده.
***
فى تلك الأيام التى تبدو الآن وكأنها من نسج الخيال أو أنها مادة لبعض المسلسلات الخليجية السمجة التى شوهتها كثيرا وحولتها إلى «كليشيهات» أحيانا!! فى تلك الأيام كانت حدودنا هى الشواطئ والبحر يحيط بنا من كل مكان كيف لا ونحن بين كل الدول الست نحمل لقب جزيرة.
***
كبرنا وبقى بعض البحر ملازما لنا.. فالطريق إلى المدرسة يمر بالبحر أو يعبر الجسر الوحيد حينها وفى المساءات نذهب كعائلة فى جولة بالسيارة محاذية للبحر أيضا أو نجلس بالقرب منه.. هكذا كنا نحن سكان المدن أما بنات الريف وأولاده ــ يستغرب كثير من الأصدقاء العرب عندما نتحدث عن الريف والمدينة فى دول الخليج – فهؤلاء تلاصقت حياتهم بماء البحر فهو مصدر رزقهم وهو ملعبهم ومسبحهم العام ووسيلة ترفيههم بل هو كل حياتهم.
***
مضت بضع سنين ارتحل كثير منا للدراسة الجامعية خارج الأوطان فلم تكن الخيارات متوفرة وكانت جامعات العرب بأجمعها تفتح فصولها ومساكن طلبتها للقادمين من مدن الملح بكثير من الترحاب بل وفى الكثير من الأحيان بمنح ومعاملة شبيهة لمواطنيهم ومواطناتهم.. وهذا الآخر أمر ينساه البعض أو يتناسوه رغم أنه راسخ فى ذاكرة الكثير من خريجى المدارس والجامعات فى القاهرة، ودمشق، وبيروت، وبغداد والبصرة والموصل وحلب وطرطوس والإسكندرية، ووو كم كانت تلك المرحلة زاهية بتفاصيلها البسيطة جدا.
***
عاد الكثيرون والكثيرات إلى مدنهم ونحن إلى جزيرتنا وبقينا أوفياء للبحر رغم أنه بدأ يبعد تدريجيا. كانت تلك الصديقة تردد بابتسامة عريضة فى كل صباح أذهب فى طريق مختلف إلى مقر عملى ولكن كل طرقى ملاصقة له، كلها لا تفترق عن بحرى!!! ستمر سنون سريعة قبل أن تمتد الأرض لتلتهم البحر من زواياه المختلفة ونصبح تدريجيا جزيرة تبحث عن شاطئ... وفيما عمد الكثير إلى تقبل ذلك أو ربما حاولوا إقناع أنفسهم بأن ذلك جزء من «المدنية» و«التحضر» أو حتى التوسع العمرانى!!! المهم أن البحر بعد وبعد وبعد وتحولت الشواطئ إلى مساحات تباع بأغلى الأثمان وتسور لتوضع عليها يافطة كبيرة «ابتعد أملاك خاصة».
***
هنا أيضا تصورنا أو تصور بعضنا أنها ظاهرة كونية أى أن تكون الشواطئ ملكية خاصة لمن يستطيع لذلك سبيلا.. أو أنها جزء من العولمة أو ربما لنجارى الأوطان المتقدمة والحضارة والمدنية. كثرت التفسيرات والتبريرات ربما حتى رحل كثير منا للبحث عن بحر يشبه بحرنا أو حتى للاغتسال بماء البحر أى بحر بعيدا عن صيفنا الحارق وهناك جاءت الصدمة ثم توالت من بلدة صغيرة فى أصغر جزيرة يونانية حتى مدينة إيطالية أو فرنسية أو إسبانية أو فى أى بلد أوروبى، وكانت الصدمة أن الشواطئ ملكية عامة للمواطنين والمواطنات بل والزائرين والزائرات وكل البشر وليست لفرد أو لمن يستطيع أن يدفع.. الشواطئ كما الصحة والتعليم حق عام للجميع ولا تستطيع أى حكومة فى أى بلد كان أن تضع يدها وتقسمها ثم تبيعها تحت مفاهيم العرض والطلب.
***
كانت تلك الفكرة صادمة فلا أسوار تعزل الشواطئ عن أنظار المارة ولا شواطئ تتضاءل بفعل المزيد من البيع والمزيد من ما يُسمى «مدنا جديدة» ولا ينام أحد سكان تلك القرية فى حضن الموجة ليستفيق فى ساعات الصباح الأولى على أسوار حديدية وجرافات تردم جاره البحر وتحول شاطئه ومصدر رزقه إلى شىء من الماضى البعيد.
***
قبل سنوات كانت فى إيطاليا هى وزوجها الثرى وأحبا أن يحجزا أغلى فندق محاذٍ للبحر ونزلا فى ذاك الصباح سعيدين فافترشا الأرض الأقرب للموجة وراحا يتأملان عندما داهمتهما أصوات بعض نساء من تلك البلدة الإيطالية العريقة اللاتى تحدثن بلغتهن طبعا بما يبدو أنها لهجة غاضبة.. لم تفهم هى ولا زوجها كلمة ولكنهما تفاجآ بالسيدات الإيطاليات يفترشن الرمل أمامهما جالسات متحفزات.. مر بعض الوقت قبل أن تفهم هى وزوجها أن سكان البلدة الإيطالية محتجات على هذا الفندق ذى النجوم الخمسة أو السبعة والذى فى رأيهن قد استلب البحر الذى لا يملكه.. هى أيام وعاد البحر لسكان تلك البلدة واضطر أصحاب ذاك الفندق الفخم إلى دفع غرامات كبيرة.
***
كثير من الحر والشاطئ يحن لموجته ولساكنيه والناس فى جزيرتنا تبحث عن بحرهم الذى اختفى كحبات الرمل بين أصابع اليد.
خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات