هيكل وناصر.. مولد ورحيل - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:32 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هيكل وناصر.. مولد ورحيل

نشر فى : الإثنين 26 سبتمبر 2022 - 9:20 م | آخر تحديث : الإثنين 26 سبتمبر 2022 - 9:20 م
العلاقة بين المثقف عموما، والصحفى خصوصا، بالسلطة تظل مثار جدل وأخذ ورد، ما بين رؤية تتبنى ضرورة اقتراب الصحفى من صانع القرار قدر ما يستطيع حتى ولو تماهى معه وتقمص روحه، ونظرة أخرى تعتبر الاقتراب أكثر من اللازم يورد الصحفى موارد لا ينبغى له أن يسلكها، لأنها حتما ستكون على حساب الحقيقة التى تضيع معها مصالح الناس، وتقضى على دور الصحفى والنخب المثقفة فى خدمة شعوبها التى اعدتها للدفاع عن جوهر قضاياها الحياتية.
علاقة على تلك الشاكلة، تتأرجح بين ضرورة الاقتراب إلى أبعد مدى أو الحذر من الجوار المضر، لا يمكن لها أن تنطبق على مسار
العلاقة التى جمعت الأستاذ محمد حسنين هيكل، الذى مرت ذكرى مولده التاسعة والتسعون فى 23 سبتمبر الجارى، مع جمال عبدالناصر «زعيم الأمة» بتعبير هيكل، والذى تطل ذكرى رحيله الثانية والخمسون غدا الأربعاء 28 سبتمبر، إذ إن لقاء العملاقين كان ترجمة لأقدارهما التى تشابكت مع تطلعات وآمال الشعب المصرى عشية ثورة 23 يوليو 1952.
قيل الكثير، وسيقال أكثر عن طبيعة العلاقة التى جمعت هيكل وناصر، وكيف أثر كلاهما فى مسار الآخر، لكن قصة ارتباط مصير الشخصيتين الكبيرتين فى تقديرى تتجاوز رغبة صحفى فى الوصول إلى منابع الأخبار، وزعيم مثقف يود الاستفادة من منبع للأفكار، فقد جسدا معا احتياجا ضروريا لثورة وليدة سعى عبدالناصر مع رفاقه من الضباط الأحرار لتثبيت أركانها، وكاتب آمن بمبادئها فى القضاء على الاستعمار ومحاربة الثالوث البغيض «الفقر والجهل والمرض» الذى نخر فى عظام الشعب المصرى.
وعلى الرغم من محاولات هيكل تجنب الكتابة عن عبدالناصر وحياته وتجربته الكبيرة عقب الرحيل المفجع لمفجر ثورة يوليو، إلا أن «الأستاذ» وجد نفسه فى نهاية المطاف مدافعا عن رفيقه الذى أودعه الكثير من الأسرار، فكتب «لمصر لا لعبدالناصر» فى خضم حملة شرسة سعت للنيل من ناصر وتشويه صورته بشتى الطرق انتقاما لانحيازاته الاجتماعية لجموع الشعب المصرى من الفقراء، ليس حقدا منه على الأغنياء كما روج أعداؤه، لكن لأنه، كما قال هيكل، «كان يرى الغنى الفاحش فى وسط الفقر المدقع جريمة لا تغتفر».
كان هيكل يمتلك موهبة فى ترتيب الوقائع وتحليل الأحداث، وكان ناصر «القارئ الممتاز سواء قبل الثورة وحتى وهو حاكم متعدد المسئوليات» بتعبير رفيق درب آخر هو خالد محيى الدين، يلزم نفسه بمعايير صارمة ألا يملك أرضا أو عقارا لأنه كان يعتقد، واعتقاده صحيح فى رأى هيكل «أن الملكية هى التجسيد العملى للامتياز الطبقى» فالحاكم فى مصر حسب رؤية عبدالناصر «لا يجوز له أن يمتلك لأنه بذلك يفقد قدرته على التعبير عن مصالح الأغلبية، ويجد نفسه، مهما حسنت نواياه، يعبر عن مصالح الأقلية».
اعتبر البعض أن علاقة هيكل بثورة يوليو هى ترجمة عملية لارتباطه بجمال عبدالناصر، وتلخيصا لاشتراكهما فى الفكرة والتنفيذ العملى للعديد من القرارات التى أدلى هيكل فيها برؤية تعكس الخطوط العريضة لما يدور فى عقل ناصر، غير أن علاقة هيكل فى تقديرى تتجاوز هذه الحدود، لأن هيكل ربما كان المدنى وسط العسكريين فى تنظيم الضباط الأحرار وإن لم يشارك فى التخطيط أو التنفيذ الميدانى للثورة.
رحل الأستاذ هيكل بعد سنوات طوال من رحيل عبدالناصر، لكنه ظل وفيا لعلاقة إنسانية، ورحلة سياسية جمعتهما معا، فى لحظة فارقة من تاريخ مصر التى شاءت الأقدار للرجلين العيش فى أتون أحداثها الملتهبة، قبل أن يصنعا وهجا وبريقا يشع نورا لمسيرة ستبقى محفورة فى العقل والوجدان لسنوات عديدة مقبلة.
التعليقات