فى العام 1983 فاز الكاتب البريطانى وليام جولدنج بجائزة نوبل عن روايته (إله الذباب) التى قمت بترجمتها ونشرها فى سلسلة روايات الهلال بعد حصولها على الجائزة بأسابيع قليلة، فتحت هذه الرواية الأفق للمثقفين من أجل الحديث حول الديمقراطية بمفهومها البدائى البسيط حيث تدور الرواية حول مجموعة من الصبية وجدوا أنفسهم فوق جزيرة مليئة بالخيرات بعد أن غرق المركب الذى يقلهم، وبدأوا فى الاتفاق بينهم على أن يتولوا أمور الجزيرة بالأساليب الديمقراطية، ورغم البساطة التى يتسمون بها فإن الصراعات الإنسانية اشتعلت فيما بينهم، فتصارعوا وأحرقوا الجزيرة على ما فيها، هذا الموضوع أرَّق السينمائيين وكانت النتيجة هى فيلم مشابه فى التركيبة، ومختلف فى التفاصيل، حيث اضطرت طائرة يركبها بالغون من الطبقات المثقفة، إلى النزول فوق إحدى الجزر المهجورة التى ليس بها سوى ثمار البلح، من بين هؤلاء الركاب الشاب عادل صدقى، والصحفية، والعامل، والفلاح، والارستقراطى وأيضا مهن أخرى وسرعان ما اتفقوا على العيش بطريقة ديمقراطية وقام نبيه بإطلاق اسمه على الواحة، وبدأ فى توزيع ثمار البلح الذى يعتبره العملة السائدة بين ركاب الطائرة الذين اتضحت طموحات كل منهم، فهناك الراقصة عدولة التى تقربت من نبيه، وأيضا هناك امرأة مثقفة تؤمن بالديمقراطية، كما أن هناك الصحفية التى تجيد التملك لنبيه الذى سيطر على كل شىء، وهناك بعض المعارضين يمثلهم عادل، هذه الفكرة كونها المخرج صلاح أبو سيف ودفع بها إلى لينين الرملى ليكتب لها السيناريو، وقد اتفق المكان شبه المغلق بما يناسب أجواء المسرح التى يكتب له هذا الكاتب، واستعان المخرج بنجوم ذلك الجيل ومنهم يسرا، أحمد زكى، جميل راتب، حمدى أحمد، وأيضا صبرى عبدالمنعم فى دور الرجل القوى الجسمان الذى يمكن استخدامه لفرض الأمن على الجزيرة، فهو الذى يعاقب ويستمع إلى ما يردده ويأمر به نبيه، وفى نهاية الفيلم وبعد مواجهة بين الطرفين الرئيسيين تأتى النجدة إلى سكان الواحة ليعودوا إلى بيوتهم، مثلما عاد أبطال رواية (إله الذباب) الذين تصرفوا كالمتوحشين الكبار.
كما أذكر فى هذا السياق أيضا رواية باسم (ألعاب العلماء) كتبها الفرنسى بير بول الذى كتب لنا من قبل روايات مشهورة منها: جسر على نهر كواى، وكوكب القردة، وفى رواية (ألعاب العلماء) فإن هناك ثورة سياسية عالمية تحدث على أيدى العلماء الذين حصلوا على جائزة نوبل فى الطب والفيزياء والكيمياء، هؤلاء العلماء يرون أنهم الأحق بقيادة العالم كله وقاموا بتأسيس حكومة سياسية عالمية، لكنهم أسوة بما حدث فى أعمال ذكرناها هنا سرعان ما يختلفون بينهم وبين بعضهم، فالعلماء يحتاجون إلى المعرفة والدهاء الذى يتسم به السياسيون ولهذا السبب فإن فترة حكمهم تعتبر بمثابة فترة ألعاب فى المقام الأول، فإن السينما العربية والعالمية عزفت دوما على مثل هذا الموضوع، فليس صلاح أبو سيف هو أول من تنبه إلى هذا الموضوع باعتبار أن المخرج بيتر بروك سبق له إخراج إله الذباب سينمائيا عام 1961، أى أن مثل هذه الموضوعات مطروحة دوما للنقاش فى السينما وهى محببة لدى المشاهدين فى كل الأجيال.