معركة البناء المخالف - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:33 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

معركة البناء المخالف

نشر فى : الإثنين 27 يوليه 2020 - 8:10 م | آخر تحديث : الإثنين 27 يوليه 2020 - 8:10 م

قبل خمس سنوات وضعتنى الإعلامية الكبيرة، منى سلمان، فى مواجهة، على قناة دريم الفضائية، مع أحد مقاولى البناء فى المنطقة التى أسكن بها، بعد أن تسلل إليها، خلال انشغال الدولة بالأحداث التى تلت 30 يونية، حفنة من المقاولين محترفى البناء المخالف فحولوا المكان الواعد إلى منطقة يصرخ أصحابها اليوم من كثرة المشاكل التى يعانون منها، وفى مقدمتها بالطبع من يتحمل فاتورة التصالح مع الدولة.
يومها وجدت نفسى مع نمط غريب من التفكير، فالمقاول، الذى جاء ممثلا لعدد من زملائه، راح يدافع بفجاجة عن المخالفات التى ترتكب جهارا نهارا، زاعما أنها تساعد الدولة على توفير المساكن(!!)، بغض النظر على تجاوزه على القانون، وضربه عرض الحائط بالاشتراطات التى وضعت للبناء فى المدينة الجديدة، فلا مانع لديه من بناء 7 أدوار بدلا من أربعة، والبناء على كامل المساحة من الأرض وليس 60% طبقا للمواصفات التى وضعتها الجهة المشرفة على المكان.
رحنا نتبادل القذائف على الهواء مباشرة، فشبهت الذى يرتكبون المخالفات فى بناء العقارات بمن جاء للتخريب قبل أن يأتى يوم «يحمل فيه عصاه ويرحل» تاركا ضحاياه يواجهون مصيرا قاسيا مع كم هائل من المشكلات خاصة المرافق والخدمات التى لم تصمم لاستيعاب كل تلك الوحدات السكنية المخالفة التى أضافها المقاولون إلى عقارات تئن اليوم تحت رحمة شح المياه وتكرار انقطاع الكهرباء، وتهالك الطرق.
أذكر يومها أن نائب محافظ الجيزة الأسبق، اللواء علاء الهراس أجرى مداخلة كانت فى مجملها ضد الطريقة الغريبة التى يتحدث بها المقاول، مؤكدا أن الدولة لن تسمح باستمرار المخالفات، وستقوم بالتعامل معها بكل حزم، غير أن ذلك المقاول لم يرد سوى بابتسامة أظهرت الأيام أنها كانت للخروج من المأزق المؤقت، لأن المخالفات زادت واستفحلت فى السنوات التالية.
الحوار كان دائرا أمام أعين مئات الألوف من المشاهدين، والتحذيرات من أنه «لا بد من يوم معلوم» توقف فيه الدولة التجرؤ على القانون وصلت إلى القاصى والدانى من المقاولين المخالفين، وأولئك الذين واصلوا الشراء منهم، وبالتالى لا يحق لمن اشترى أن يتحجج اليوم بعدم معرفته، وعليه أن يتحمل جزءا من المسئولية لمساعدته المقاول على المخالفة، إن لم يكن متواطئا معه.
ظلت الدولة لأكثر من أربع سنوات تعد قانون التصالح فى مخالفات البناء، ثم عادت بعد أقل من 6 اشهر لإجراء تعديلات عليه، «تحت ضغط اصحاب المصالح»، واليوم يصرخ البعض وتخرج حملات ضد تطبيقه، ويسعى البعض الآخر إلى عرقلة القانون، تحت دعاوى «المظلومية» لمن اشتروا الوحدات المخالفة، ودخل الجدل منطقة «من جاء الأول البيضة أم الفرخة؟»، لإغراقنا فى دوامة تستهدف التشويش والبلبلة، للتهرب من المسئولية.
نعم المالك الأصلى للعقار المخالف عليه مسئولية جنائية لا يمكنه الإفلات منها، ومسئولو الأحياء الذين صمتوا ولم يتحركوا لوقف المخالفات فى مهدها، تخاذلا أو فسادا، لا بد من ملاحقتهم بالعقاب، غير أن ذلك لا يعفى ملاك الوحدات السكنية المخالفة من تحمل جزء من المسئولية أيضا، لأنهم كانوا يشترون وهم على علم تام بتلك المخالفات.
أما الجدل بشأن تقدير قيمة المخالفة، والتفاوت بين مكان وآخر، فتلك قضية لا يجب استخدامها للتحايل على المبدأ الأساسى، وهو المحاسبة، لأن بعض الخبثاء من محترفى التضليل يحاولون خلط الأوراق، وادعاء المظلومية لتفريغ القانون من مضمونه، والحيلولة دون تحصيل حق الدولة لمواجهة ما ينتظرها من تهالك سريع فى البنية التحتية، والحاجة لاصلاح ما صنعه فساد الذمم والضمائر، وتلك معركة أخرى.

التعليقات