نشر مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية CSIS مقالا للكاتبة كاثرين كوزيكى، والكاتب فيزو ديزولى، تناولا فيه آليات تنفيذ وأهداف الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه أفريقيا جنوب الصحراء، التى أطلقها وزير الخارجية الأمريكى بلينكن فى زيارته الأخيرة للقارة.. نعرض من المقال ما يلى.
أطلق وزير الخارجية، أنتونى بلينكين، الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه منطقة أفريقيا جنوب الصحراء فى 8 أغسطس الجارى فى بريتوريا عاصمة جنوب أفريقيا، وذلك خلال زيارته للقارة التى شملت جنوب أفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا. وثيقة الاستراتيجية الجديدة هى خطوة أولى مهمة فى رحلة طويلة لتحويل العلاقات الأمريكية الأفريقية إلى شراكات قوية.
الولايات المتحدة، التى كانت ذات يوم اللاعب الأجنبى الرئيسى فى القارة، تجد نفسها اليوم فى ميدان مزدحم بالمتنافسين. فالصين تواصل تعميق روابطها الاقتصادية والسياسية القوية فى جميع أنحاء أفريقيا، كما توسع روسيا نفوذها وأنشطتها شبه العسكرية. ومن ثم، جاءت الاستراتيجية الجديدة لتضع الأساس لتحول كامل فى شراكة الولايات المتحدة مع أفريقيا. هذه الاستراتيجية طال انتظارها وستكون بمثابة أساس للعلاقات الأمريكية الأفريقية فى القرن الحادى والعشرين.
• • •
قال كاتبا المقال إن الاستراتيجية لها أربعة أهداف، وتحدد العديد من الآليات لترسيخ الشراكة الأمريكية مع الدول الأفريقية، كما أنها توضح كيف يمكن تنشيط المؤسسات الأفريقية الحالية من أجل «شراكة أمريكية أفريقية فى القرن الحادى والعشرين».
بالنسبة للأهداف الأربعة جاءت كما يلى:
أولا: تعزيز مجتمعات عادلة ومنفتحة؛ من خلال زيادة المساءلة السياسية داخل الدول الأفريقية عن طريق دعم التوازن بين السلطات المختلفة كاستقلال القضاء والصحافة الاستقصائية وتشجيع الشفافية ومكافحة الفساد. الاستراتيجية ترى أن المجتمعات المنفتحة من المرجح أن تشترك مع الولايات المتحدة فى أهداف كثيرة، كما تكون أكثر احتمالًا لمواجهة الأنشطة الضارة من قبل روسيا والصين وغيرهما.
الهدف الثانى تعزيز الجهود الديمقراطية ومعالجة التحديات الأمنية؛ تؤكد الاستراتيجية على تأييد الولايات المتحدة للديمقراطيات فى القارة من خلال دعم منظمات المجتمع المدنى وشفافية الانتخابات، وتمكين الفئات المهمشة. تؤكد الاستراتيجية أيضًا على النهج ثلاثى الأبعاد (الدفاع والتنمية والدبلوماسية) لجهود بناء السلام.
ثالثا: تؤكد الاستراتيجية على مواجهة كوفيد 19 فى أفريقيا من خلال دعم جهود التطعيم المستمرة وتقوية البنية التحتية للصحة العامة للاستجابة السريعة لأزمات الصحة العامة والأوبئة. ستعمل الولايات المتحدة أيضا مع الشركاء الأفارقة على دعم جهود التعافى الاقتصادى من خلال برامج مثل الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار، وهى مبادرة استثمار فى البنية التحتية من قبل مجموعة السبع بمقدار 600 مليار دولار لمنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية.
رابعا: تشجيع مواجهة التغيرات المناخية وتحولات الطاقة الخضراء من خلال دعم البنية التحتية المقاومة للتغيرات المناخية، والحفاظ على النظم البيئية فى أفريقيا والتى تعد حصنا مهما ضد التأثيرات السلبية للمناخ. تدعم الاستراتيجية كذلك برامج الطاقة الخضراء كوسيلة لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة فى القارة.
ذكر الكاتبان أنه لتحقيق هذه الأهداف الأربعة، تقدم الاستراتيجية عدة مناهج لبناء الشراكة الأمريكية مع الجهات الفاعلة الأفريقية تشمل؛ الحوار التشاورى بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية، توسيع نطاق المشاركات رفيعة المستوى، تقوية المجتمعات المدنية، تعميق العلاقات مع الاتحاد الأفريقى والهيئات الإقليمية، وتشجيع مشاركة القطاع الخاص الأمريكى فى أفريقيا.
تدعو الاستراتيجية أيضا إلى الاهتمام بالتمثيل الدبلوماسى فى أفريقيا. كانت مناصب السفراء ومناصب المبعوثين الخاصين فى أفريقيا شاغرة بشكل ملحوظ فى السنوات القليلة الماضية، كما عانت العديد من البعثات الدبلوماسية من نقص مزمن فى التمويل. ولاشك تعتبر معالجة قضايا التوظيف فى السفارات الأمريكية فى أفريقيا خطوة حاسمة فى تنفيذ هذه الاستراتيجية الجديدة.
كذلك تدعم الاستراتيجية جهود التنمية المستدامة من الأمن الغذائى إلى المساواة بين الجنسين، وتدعو إلى إعادة تنشيط علاقة الولايات المتحدة مع الجيوش الأفريقية والشركاء الأمنيين لتشجيع السلوك «الفعال والشرعى والمسئول» بين هذه الجهات الفاعلة، والتى بدورها يمكن أن تدعم المجتمعات الديمقراطية والمنفتحة فى القارة. فمن الضرورى أن تغير الولايات المتحدة انخراطها الأمنى فى أفريقيا لإعطاء الأولوية للجانب المدنى أولا.
• • •
تحدد الاستراتيجية مجموعة من المبادرات الحالية التى يمكن استخدامها لتنفيذ الاستراتيجية وإعادة تنشيطها لتلائم نموذج شراكة القرن الحادى والعشرين. لا تدعو استراتيجية الولايات المتحدة إلى إنشاء برامج مبادرات اقتصادية وتنموية جديدة. بدلا من ذلك، تسلط الضوء على المبادرات الرئيسية الحالية، مثل مبادرة طاقة أفريقيا Power Africa، وازدهار أفريقيا Prosper Africa، وإطعام المستقبل Feed the Future. وهذا اعتراف من إدارة بايدن بأن الولايات المتحدة لديها الأدوات التى تحتاجها للمشاركة، لكنها تتطلب بعض إعادة العمل والتنشيط لجعلها فعالة.
على الجبهة الأمنية، قدمت الولايات المتحدة مساعدة أمنية كبيرة كالتدريب والمعدات وغيرهما لشركائها الأفارقة على مر السنين. ومع ذلك، لم تؤثر هذه الشراكات الأمنية بشكل إيجابى على العلاقات العسكرية والمدنية والاستقرار فى أفريقيا. على العكس، أدى الفشل الأمنى إلى تأجيج السخط العام فى جميع أنحاء القارة، وأدى إلى احتجاجات واضطرابات، وفى بعض الحالات، عدم استقرار طويل الأمد. فى مالى، على سبيل المثال، كان السخط العام على الأمن محركًا رئيسيًا للنزاع المسلح. على كلٍ، تشجع الاستراتيجية الأمريكية الجديدة على تعاون أكبر مع الجهات الأمنية الأفريقية، فمشاركة الولايات المتحدة فى المجال الأمنى لا تزال تركز إلى حد كبير على حماية المصالح الأمريكية أكثر من تعزيز المصالح الأفريقية، لذلك تحتاج واشنطن بشكل عاجل إلى نهج جديد للتعاون الأمنى يتوافق مع مصالح الشركاء الأفارقة.
بخصوص الطاقة والمناخ، صدرت تعليمات للدول الأفريقية بتبنى أجندة الطاقة الخضراء ووقف مشروعات الاستثمار فى الغاز الطبيعى والوقود الأحفورى، بغض النظر عن احتياجاتها من الطاقة. المؤسسات متعددة الأطراف ومجموعات الإقراض الغربية الأخرى تحد من رأس المال والائتمان لمثل هذه المشاريع فى هذه البلدان. هذا النهج أقل ما يوصف به أنه نفاق بالنظر إلى أن أوروبا تسعى الآن إلى الاستثمار فى إنتاج النفط والغاز الطبيعى فى أفريقيا، بينما تطلب الولايات المتحدة من المملكة العربية السعودية زيادة إنتاجها النفطى. ضمن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، يجب على الولايات المتحدة أن تقود الطريق وتحشد الدول المتقدمة لقبول واقع الدول الأفريقية، وتحويل التعهدات المالية إلى تمويل حقيقى لدعم مبادرات الاقتصاد الأخضر فى أفريقيا.
• • •
اختتم الكاتبان مقالهما بأن بلينكن شدد فى خطابه الذى أطلق فيه الاستراتيجية الجديدة على أن «الولايات المتحدة لن تملى خيارات على أفريقيا، ولا ينبغى لأى شخص آخر أن يمليها». لكن يمكن القول إن قدرة الولايات المتحدة على إملاء القرارات الأفريقية كانت تتضاءل قبل تصريحاته. ففى تصويت الأمم المتحدة فى وقت سابق من هذا العام لإدانة الغزو الروسى لأوكرانيا، لم تكن الكتلة الأفريقية، وهى واحدة من أكبر الكتل فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، موحدة فى أصواتها. حيث صوتت 28 دولة لصالح القرار وامتنعت 17 دولة عن التصويت (أبرزها جنوب أفريقيا) ولم تقدم ثمانى دول تصويتا لصالح القرار ودولة واحدة فقط هى إريتريا صوتت ضد القرار. هذا التباين فى الأصوات جاء كجرس إنذار للولايات المتحدة للعمل على علاقاتها مع دول القارة.
إجمالا، تدعو الاستراتيجية الجديدة إلى تغيير شامل فى علاقات الولايات المتحدة مع الدول الأفريقية. وسيحدد الوقت المستغرق للبدء فى تنفيذ الاستراتيجية الجديدة مدى جدية واشنطن، ولكن من المنطقى افتراض التباطؤ فى تنفيذ الاستراتيجية، فنهج الولايات المتحدة فى التعامل مع الدول الأفريقية كان نهجا أبويا. وسيكون نزع جذور هذه الممارسة عملا صعبًا للغاية.
ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلي