نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب وليد خدورى، قال فيه إن التسرع فى محاولة التخلى عن النفط أدى إلى اضطراب الأسواق خاصة بعد جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، داعيا إلى ضرورة الاستمرار فى الاستثمار فى الطاقة التقليدية بالتوازى مع التحول للطاقة المتجددة... نعرض من المقال ما يلى.
تتراوح الأسعار حول 95 دولارا لبرميل نفط برنت، وارتفعت إلى نحو 100 دولار لبرميل النفوط النيجيرية الخفيفة التى تعوض النقص الحاصل للنفط الصخرى الأمريكى الخفيف.
هذه ليست المرة الأولى التى تسجل فيها الأسعار هذا المستوى العالى، وقد فاقت هذا المستوى بكثير سابقا. لكن المهم فى الارتفاع السعرى الحالى، هو تزامنه مع مرحلة «تحول الطاقة»، التى تتزامن بدورها مع النتائج المترتبة على جائحة كوفيد ــ 19، وتلتها مباشرة الحرب الأوكرانية ومقاطعة أوروبا للبترول الروسى.
شهدت ظاهرة تحول الطاقة خلال العقود الأخيرة مراحل عدة. الاهتمام البيئى الذى أصبح بندا رئيسيا فى مؤتمرات القمة والأمم المتحدة، بالإضافة إلى المساندة الواسعة له من قبل الرأى العام، عقدت على أثرها عشرات المؤتمرات، إلا أنها لم تحقق نجاحا يذكر حتى مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة تغيير المناخ (كوب) فى باريس عام 2015. ومن ضمن قرارات مؤتمر باريس، التى حازت على موافقة أغلبية دول العالم، هو قرار تصفير الانبعاثات بحلول عام 2050. لكن رغم موافقة إدارة الرئيس الأمريكى آنذاك باراك أوباما على قرارات المؤتمر، عارضته لاحقا إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بحجة أنه يضر بالمصالح الاقتصادية الأمريكية. ثم عاد ووافق الرئيس الديمقراطى الحالى جو بايدن على قرارات مؤتمر باريس.
تم تكليف وكالة الطاقة الدولية برسم خريطة طريق لتصفير الانبعاثات. وألقت الوكالة معظم اللوم للانبعاثات على النفط، وأوصت بإيقاف الاعتماد على النفط فى سلة الطاقة المستقبلية، مهملة بذلك حقيقة أن الدول الصناعية الغربية واختراعاتها التقنية كانت مسئولة عن ازدياد استهلاك النفط، وأنه لولا الازدياد السنوى فى الطلب العالمى على النفط، وبخس أسعار برميل النفط خلال النصف الأول من القرن العشرين، لما تأسست الصناعات المتعددة من وسائل النقل والأدوات الاستهلاكية. لقد أدى الاعتماد على النفط خلال القرن العشرين إلى اقتصاد اليوم.
كان هناك شعور بالغبن عند الدول المنتجة للنفط، تبين بشكل واضح وعلنى عندما بادر الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودى، مباشرة بعد صدور تقرير خريطة طريق الوكالة بوصفه أنه «فيلم هوليوودى خيالى». والسبب فى ذلك عدم أخذ التقرير بنظر الاعتبار واقع صناعة الطاقة العالمية، وما تحتاجه خريطة الطريق من تغييرات ووقت واستثمارات لتغيير الطاقة وتصفير الانبعاثات.
ومنذ أوائل هذا العقد، تستمر الوكالة فى برنامجها الذى رسمته حيث تصدر على أساسه التغيرات المتوقعة، وآخرها كان توقع ذروة الطلب على النفط فى عام 2030، وذلك لتشجيع الدول على إيقاف بيع مركبات محرك الاحتراق الداخلى. هذا رغم، أن دولتين مستهلكتين كبيرتين كانتا قد أعلنتا أن موعد التزامهما بتصفير الانبعاثات سيؤجل إلى ما بعد عام 2050، وناهينا عن عدم استعداد وإمكانيات الكثير من دول العالم الثالث التغيير فى عام 2050. فقد أعلنت الهند استعدادها لتصفير الانبعاثات فى 2060 والصين فى 2070. فمن دونهما ودون الكثير من دول العالم الثالث، من الصعب جدا البدء بتصفير الانبعاثات عالميا فى 2050.
أيضا، أعلن رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك الأسبوع الماضى أنه سيرجئ لخمس سنوات (حتى عام 2035) حظرا على المركبات الجديدة التى تعمل بالغاز والديزل، والتى كان من المقرر أن يتوقف بيعها فى بريطانيا عام 2030، قائلا إنها «تكاليف غير مقبولة» على الناس العاديين. وأضاف أنه سيفى بوعده بتخفيض انبعاثات المملكة المتحدة من الغازات المسببة للاحتباس الحرارى إلى الصفر بحلول عام 2050، ولكن «مع نهج أكثر واقعية وسياسية».
ويشكل إعلان سوناك ضربة قاسية لتوقعات الوكالة بالنسبة لمنع بيع المركبات المستهلكة للبنزين والديزل، إذ كانت بريطانيا مع بقية الدول الأوروبية، من أولى الدول المتحمسة لهذا الاقتراح الذى يشكل خطوة مهيئة لتصفير الانبعاثات فى 2050.
أدى التسرع فى محاولة تهميش دور النفط، رغم زيادة الطلب السنوى عليه منذ انتهاء الجائحة ومع نشوب حرب أوكرانيا، إلى اضطراب الأسواق البترولية؛ نظرا لزيادة الأنباء المتضاربة وغير الدقيقة بمنع بيع المركبات المستعملة للبنزين أو الديزل قريبا. فقطاع النقل هو أكبر مستهلك للنفط، والتغييرات المخططة له ستترك بصماتها على صناعات وأسواق عالمية عدة. وهذه معضلة تواجه الأسواق، وهى الدعوة لتخفيض الاستثمارات فى القطاع النفطى بحجة توصل العالم إلى ذروة الطلب على النفط بحلول عام 2030، كما تدعى وكالة الطاقة الدولية.
وذكر وزير الطاقة السعودى الأمير عبدالعزيز بن سلمان فى جلسة حوارية من ضمن «مؤتمر البترول العالمى» الذى انعقد الأسبوع الماضى فى مدينة كالغارى فى كندا، أنه «لا بد أن نكون استباقيين وحذرين»، وأضاف أن «الاستثمار فى الطاقة التقليدية لا بد أن يستمر بالتوازى مع التحول للطاقة المتجددة»، بمعنى أخذ النفط بنظر الاعتبار فى سلة الطاقة المستقبلية، جنبا إلى جنب مع الطاقات المستدامة، وبالذات لأن الطلب على النفط اليوم يفوق 100 مليون برميل يوميا، ولا تتوفر لحد الآن الطاقات المستدامة أو التقنيات للحلول كليا محل النفط. كما أن هناك إمكانات وصناعات متزايدة لتقليص الانبعاثات الكربونية من النفط.
وقال: «إن كل الأمور التى حذرت منها وكالة الطاقة الدولية لم تحدث، إذ إن توقعاتها ابتعدت عن توقع أوضاع السوق لتضطلع بدور سياسى»، معتبرا أن «وكالة الطاقة صارت مؤدلجة».
ومن المتوقع أن تطرح وجهة النظر هذه التى تتبناها مجموعة «أوبك بلس» والسعودية فى مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب ــ 28» الذى سينعقد فى دولة الإمارات نهاية هذا العام.