ما لم تغير الحكومة سياستها الراهنة فيما يتعلق بطريقة مواجهة فيروس كورونا، فإننا قد نواجه مشكلة غير مسبوقة، تعصف بكل ما تم إنجازه فى عملية التنمية، والإصلاح الاقتصادى خلال السنوات السبع الماضية.
الظروف والتطورات كانت رحيمة بمصر فى عام كورونا الأول. وبغض النظر هل كان ذلك بسبب التطعيمات فى السنوات السابقة ضد الأمراض التنفسية، أم بسبب طبيعة مناعة المصريين، أم لأسباب مختلفة، فإن ذلك بدأ يتراجع الآن، ونرى إصابات ووفيات بأعداد مهولة.
صحيح أن هذا الأمر يحدث فى العديد من بلدان العالم، لكن السؤال الأهم هنا هو: هل نحن لدينا إرادة قوية وفاعلة لتطبيق الإجراءات الاحترازية لمواجهة هذا الفيروس الخطير؟!
لدينا العديد من القرارات والإجراءات الحكومية المعلنة منذ بداية ظهور الفيروس. والحكومة طبقتها بصورة طيبة إلى حد كبير فى الشهور الأولى من تفشى الجائحة، لكن الملاحظة الأساسية أن ذلك تراجع إلى حد كبير.
لا يحتاج الأمر إلى بيان من الحكومة أو من هذه الوزارة أو تلك ليقول «إن كل الأمور تمام». الصورة واضحة وجلية فى الشارع والمؤسسات والمصالح الحكومية والخاصة، وهى أن غالبية الناس لم تعد تكترث بالفيروس وكأنه اختفى تماما.
إذا كنا جادين فعلا فى مواجهة الفيروس وتحوراته وتقلباته فهناك أكثر من محور ينبغى أن نعمل عليهم.
الأول يخص توافر المستشفيات. وخصوصا أسرة العناية المركزة والأدوية والمستلزمات خصوصا أجهزة الأكسجين والتنفس الصناعى. وأن تكون هناك عمليات تقصٍّ وفحص للمواطنين، حتى يسهل عزل المصابين عن غيرهم.
نعرف أن الظروف الاقتصادية صعبة، ونعرف أننا لا نملك أن نجارى بعض الدول الغنية التى أجرت مسحات لأكثر من عدد سكانها، أو انتهت من تطعيم كل سكانها أو معظمهم. ونعرف أننا متأخرون نسبيا فى عمليات التطعيم باللقاح، وكلنا أمل أن نبدأ قريبا عملية تصنيع اللقاح الروسى والصينى داخل مصر.
نعرف كل ذلك، لكن ما هو متاح فى أيدينا أن تكون الأجهزة الحكومية المختلفة حازمة وحاسمة فى تطبيق قواعد التباعد الاجتماعى، حتى لو وصل الأمر إلى القسوة والشدة مع المواطنين المنفلتين والمستهترين.
ما تعلنه وزارة الصحة يوميا هو الأعداد التى تدخل المستشفيات الحكومية المعتمدة فقط، وليس الذين يدخلون المستشفيات الخاصة أو الذين يصابون ويعالجون أنفسهم فى بيوتهم. ولو أن كل شخص قام بحساب عدد المصابين فى محيطه الخاص، فقد يصل إلى تصور للعدد التقريبى للمصابين، وسوف نكتشف أنه كبير جدا، مثلما هو حادث فى العديد من بلدان العالم المشابهة لظروفنا.
يكفى أن يتأمل كل شخص «التايم لاين» فى حسابه على الفيسبوك أو أى من وسائل التواصل الاجتماعى، ليكتشف أنه تحول إلى دفتر عزاء لا يتوقف. لكن الجديد أن أعداد الوفيات تتزايد بصورة غير مسبوقة.
صحيح أن عدد المصابين الرسميين لدينا قليل جدا مقارنة بالأعداد الرسمية فى العالم، لكن الأصح والأهم أننا نحتل مركزا متقدما فى عدد الوفيات، وهو رقم كاشف وذو دلالة، ويمكن من خلاله التوصل إلى رقم تقريبى للمصابين قياسا على النسب العالمية.
بمنطق المصلحة أتمنى أن نُفِيقَ مما نحن فيه. وعلى الحكومة أن تدرك أن استمرار الأوضاع على ما هى عليه يعنى أن تتوطن الجائحة لدينا، ونصل إلى الحالة البرازيلية أو الهندية أو الجنوب إفريقية. وإذا حدث ذلك ــ لا قدر الله ــ فسوف يتم التهام كل ما بنيناه من جهد فى السنوات القليلة الماضية، ووقتها سوف تتبخر وتتلاشى كل آثار وفوائد برنامج الإصلاح الاقتصادى.
ما الذى يمنع الحكومة من اتخاذ سياسات وإجراءات قاسية بحق المنفلتين؟!
لماذا تتقاعس بعض الأجهزة المحلية عن إغلاق الورش والمحلات فى المواعيد المعلنة، ولماذا عادت الشيشة علنا رغم كل خطورتها، ولماذا لا يتم إجبار الناس على ارتداء الكمامة فى المصالح الحكومية والخاصة ووسائل المواصلات وأى مكان يشهد ازدحاما، ولماذا لا يتم التوسع والتطبيق الصارم فى تطبيق غرامة عدم ارتدائها.
للأمانة وللموضوعية، لا أدرى سر تقاعس بعض الأجهزة التنفيذية والمحلية عن تطبيق هذه الإجراءات. هل معنى ذلك أنهم استسلموا أمام حالة اللامبالاة التى تنتاب معظمنا؟!!!