«قضية سميحة بدران».. - محمود قاسم - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 9:49 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«قضية سميحة بدران»..

نشر فى : الجمعة 28 أغسطس 2020 - 8:45 م | آخر تحديث : الجمعة 28 أغسطس 2020 - 8:45 م

ليس فى نيتنا أبدا الكتابة عن الأفلام الحديثة، وغالبا ما نتوقف عند افلام الاربعينيات وأوائل الخمسينيات فى مصر، لكن المصادفة وحدها أكدت أن هذا الفيلم ينتمى إلى عام 1946 رغم حداثة انتاج طبعته المصرية، فكاتبه راح يفتش فى الأفلام القديمة حتى وجد ضالته فى فيلم اخرجه ألفريد هيتشكوك باسم «سيئة السمعة» قام ببطولته كارى جرانت، وأنجريد برجمان حول قيام جهاز المخابرت الأمريكى بدس امرأة يحبها ضابط منهم، كى تتزوج من رجل اعمال خائن يريدون الايقاع به، ويظل الضابط يرعاها حتى تتم المهمة وترجع اليه،
انها نفس حكاية فيلم «قضية سميجة بدران» مع بعض الاضافات تناسب الزمن والمكان.
هو الفيلم الثانى الذى جمع بين المخرجة ايناس الدغيدى ونبيلة عبيد.. الفيلم كتب قصته فيصل ندا وكان السيناريو والحوارمن نصيب عبدالحى أديب. وهو يدور بين عالم رجال الأعمال الذين صاروا فى العقد ما قبل الأخير من القرن العشرين بالغى الفساد، فى منظور السينما ويمكن لرجل الأعمال الفاسد أن يفعل أى شىء للهروب من مصيره. حتى لو اضطر للزواج من الصحفية التى تترصده، وتكتب عنه تحقيقا يفضح نشاطه، انه عالم متشابك، تبدو فيه المرأة هنا مختلفة تماما، وكررته بعد سنوات فى فيلم «هدى ومعالى الوزير» لسعيد مرزوق. الذى استعان ببعض من فريق الفيلم مجددا، ومنهم يوسف شعبان.
نحن لم نبتعد عن قضايا المجتمع فى تلك الحقبة، كأنما الفيلم قراءة لاحدى الجرائم التى تتبناها الصحافة، أغلبها حول الفساد، وكيف تبدو الصحافة من خلال اسم الصحفية سميحة بدران نموذجا حيا لمكافحة الفاسدين الذين يتوالدون بسرعة فائقة، والمرأة فى الفيلمين تبدو اقرب إلى البطل الفردى الذى يواجه التجمعات الفاسدة بكل ما بها من قوى ونعومة، وجبروت، لكن رجل الاعمال قى فيلم هيتشكوك لعب فى الأمن القومى الأمريكى فصار خائنا، والصحفية هنا تدخل عرين الأسد بكل تشابكاته، وتتزوج من الرجل الذى يدبر لها سبل المتع والاشباع والرغبة فى القضاء عليها، ويتم ذلك تحت مراقبة الزوجة والشريك زهيرة وأخوها أى أن سميحة هنا تعارك مثلثا بأكمله، والى جانبها هناك ضابط الشرطة الذى يحبها، ويجسد الدور محمد وفيق فى شخصية معادلة لكارى جرانت، وهو يأمل أن تكون سميحة زوجته الا أنه لا يتخلى عنها ويقف لمساندتها.
فى الفيلمين نحن امام ممثلتين تحمل كل منهما المسئولية المليئة بالمخاطر، الأولى: أنجريد برجمان، ثم نبيلة عبيد التى فرضت عليها الظروف أشياء كثيرة كانت تقدمها فى أفلام أخرى، بالاضافة إلى مهنة الطبيبة فى «التخشيبة» وهو دور سيدة تتمتع بثقافة راقية، وتنتمى إلى طبقة اجتماعية أرفع.
من المهم الاشارة إلى أن إيناس الدغيدى قامت فقط بتنفيذ السيناريو، ولا أعتقد أنها كانت تعرف، ربما حتى الآن، أن الفيلم مأخوذ عن ألفريد هيشكوك، الذى يكسب لكل عمل من أفلامه جوا خاصا من خلال أشخاص عددهم محدود، لكن السيناريو المصرى ضاعف عدد الشخصيات كى تشتد الصراعات، ويجب أن نعرف أنه لا يعنى شيئا ان يكون للفيلم أى دور بقضايا المرأة خاصة أننا أمام امرأتين تتنافسان على رجل واحد، الأولى تزوجته، والثانية متزوجة منه فى الأصل، ونحن أمام أجواء بوليسية قى المقام الأول، تتبعها المغامرات والحركة، وفى النهاية فإن الفاسدين تنكشف أمورهم.
نحن هنا أمام امرأة وقورة لديها هم اجتماعى، فقد تفرغت لعملها فلم تكن لديها
حياة اجتماعية، وقد رأيناها فى بداية الأحداث ترتدى زى سيدة شعبية ومعها الضابط للايقاع بالفاسدين، إلا أن زهيرة صاحبة المشروع تفلت من الكمين، ونفهم فيما بعد انها زوجة لرجل الأعمال يوسف، اما كمال الضابط فهو أيضا رجل متفرغ لعمله، وهو من طرفه يردد: مكتوب على أن أحب امرأة كى يتزوجها شخص آخر، وهكذا تتأرجح علاقته بسميحة بدران طوال الأحداث.
الآن، وبعد عقود من عرض الفيلم يمكن الحدبث عنه تبعا للظروف الفنية والاجتماعية التى كانت موجودة فى نهاية الثمانينيات، ومنها التحول الذى حدث للمخرجة ايناس الدغيدى التى عرفت بعد تلك الآونة باسم الجريئة، حين وضعت الجنس والاغراء فى اولويات اهتماماتها، وبدت فى افلام تلك المرحلة غير منتبهة تماما لفتنة الممثلات التى تعمل معهن، خاصة نبيلة عبيد، وتلك النقطة يمكن الاهتمام بها، فى ان المخرجة لم تكن رؤيتها السينمائية قد تشكلت بعد، ومنها قضايا المرأة صانعة الأفلام، لكنها بالنسبة لها، كما رأينا، مجرد امرأة لا تنكشف منها مواهبها، وهى فى «قضبة سميحة بدران» اقرب إلى خشونة الرجل، تقوم بالعمليات الصحفية الخطرة، وتتزوج عن غير حب، ولا تلتفت إلى الضابط الذى يخبرها أنه وجه السعد على النساء، فما إن يقع فى غرام احداهن حتى تتزوج من غيره، وبالتالى فالفيلم يخلو تقريبا من الحس الرومانسى، ولا شك أن زهيرة زوجة يوسف وشقيقة عباس، امرأة فاتنة الجسد، تجسدها هياتم تشعر بالغيرة على زوجها، وتسعى للتخلص من زوجته الرسمية سميحة بدران، ما يوسع دائرة الخصوم والمخاطر، وانت تشعر أن الأجواء الاسرية محفوفة بالمؤامرات والمكائد، وتدبير خطط للقتل، والتخلص من الزوجة سواء بيد زوجها أو عن طريق زهيرة.
ومن سمات هذا العصر أيضا ان المنافسة التى كانت تتم بين أبرز نجمات الشاشة تنعكس فى العاملين فى افلام كل طرف، وأيضا فى عناوين الأفلام، فقد اختارت نبيلة عبيد العديد من المخرجين للتعامل معهم بعد اشرف فهمى ومنهم ايناس دغيدى، وعلى عبدالخالق وعاطف الطيب، أما نادية الجندى فكان لها مخرج مفضل فى المقام الأول هو نادر جلال وكاتب سيناريو لا يتغير هو بشير الديك، ومن هنا بدا اسم فيلم «قضية سميحة بدران» مقاربا لاسم فيلم «ملف سامية شعراوى»، رغم المساحة البعيدة بين موضوعات الأفلام، ونحن لن نتوقف عند المفارنة لكن لابد من الاشارة اليها، ونحن نتحدث عن جذور فيلم «قضية سميحة بدران»، ومع أبرز مخرجة فى تلك الآونة كم تمنيت أن تقوم ايناس بوضع لمسات امرأة تخرج فيلما بطلته الرئيسة امرأة، وان الرجال هنا هم الكواكب تدور حول النجم ففى هذا النوع من القصص يبدو الأشخاص بلا جذور لا نعرف عنهم أى شىء سوى ما هو موكول اليهم من مهمات عليهم إنجازها، لا توجد هذه الجذور لجميع الشخصيات فسميحة بدران بلا أهل ولا عزوة، ولا أم، وينعكس الأمر على الضابط كمال، وفى هذا النوع من الأفلام يتخفف السيناريو من وجود الأطفال، ليصير الهدف الايقاع بأفراد العصابة.. وهذا وحده يكفى.

التعليقات