نجاح أوروبا غير الظاهر - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:43 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نجاح أوروبا غير الظاهر

نشر فى : الخميس 29 مايو 2014 - 5:15 ص | آخر تحديث : الخميس 29 مايو 2014 - 5:38 ص

كتب بول كروجمان مقالا بجريدة النيويورك تايمز تحدث خلاله عن منتدى سوف يقام برعاية البنك المركزى الأوروبى الذى سيكون موضوعه الفعلى ــ بصرف النظر عما قيل عن البرنامج ــ الفوضى النقدية المدمرة الناجمة عن اعتماد القارة عملة واحدة، قبل الأوان. والأكثر مدعاة للأسف أن المشكلات المالية ومشكلات الاقتصاد الكلى فى أوروبا، طغت بشكل ملحوظ، على نجاحها غير المعلن لها فى المجال الذى اعتادت التأخر فيه: خلق فرص العمل.

•••

أشار الكاتب إلى أن الاقتصادات الأوروبية، وفرنسا على وجه الخصوص، لا تحظى بمتابعة صحفية جيدة فى أمريكا. ويهيمن على خطابنا السياسى الاعتقاد بأن النجاح الاقتصادى يعتمد على التلطف مع الأغنياء، الذين لن يخلقوا وظائف إذا فرضت عليهم ضرائب كبيرة، والتعامل بشكل سيئ مع العمال العاديين، الذين لا يقبلون الوظائف إلا إذا لم يكن لديهم بديل عنها. ووفقا لهذه العقيدة، فإن أوروبا ــ مع ارتفاع الضرائب فيها والسخاء فى الرعاية الاجتماعية ــ تفعل كل شىء خطأ! ومن ثم، يجب أن يكون النظام الاقتصادى فى أوروبا فى حالة انهيار، ويشير الكثير من التقارير إلى الانهيار المفترض باعتباره حقيقة. غير أن الأمر مختلف جدا فى الواقع، صحيح أن جنوب أوروبا يشهد أزمة اقتصادية بسبب هذه الفوضى المالية. ولكن أداء دول الشمال الأوروبى، ومن بينها فرنسا، أفضل بكثير مما يعرف معظم الأمريكيين. وبوجه خاص، هناك حقيقة مذهلة، غير معروفة: تزيد فرص الفرنسيين فى سن العمل (25-54) فى الحصول على وظائف، بكثير عن فرص نظرائهم فى الولايات المتحدة.

•••

وأوضح كروجمان، أن الأمر لم يكن دائما على هذا النحو. فإذا عدنا إلى التسعينيات، كان لدى أوروبا فعلا مشكلات كبيرة مع خلق فرص العمل؛ حتى إن هذه الظاهرة أطلق عليها اسم جذاب: «التيبس الأوروبى»، وبدا واضحا ماهية المشكلة: مثلما يحب النائب بول رايان أن يحذر، حيث أصبحت شبكة الأمان الاجتماعى فى أوروبا، «أرجوحة» قوضت المبادرة وشجعت التبعية. وبعد ذلك حدث شيء طريف: بدأت أوروبا تؤدى على نحو أفضل بكثير، فى حين بدأت أمريكا تؤدى على نحو أسوأ كثيرا. وارتفع معدل التوظيف فى فرنسا عنه فى أمريكا أوائل عهد إدارة بوش؛ وعند هذه المرحلة، كانت الفجوة فى معدلات التوظيف أكبر مما كانت عليه أواخر التسعينيات، وهذه المرة لصالح فرنسا. بل إن أداء دول أوروبية أخرى، مثل السويد وهولندا، كان أفضل.

وأضاف الكاتب آن الآن، مازالت فرص الشباب الفرنسيين فى الحصول على وظائف أقل كثيرا من نظرائهم الأمريكيين - ولكن جزءا كبيرا من هذا الاختلاف يعكس حقيقة أن فرنسا تقدم مساعدات للطلاب أكثر كثيرا، بحيث لا يضطرون إلى العمل أثناء الدراسة. أيضا، يحصل الفرنسيون على المزيد من العطلات أكثر من الأمريكيين، ويتقاعدون فى سن أصغر، ويمكن القول إن حوافز التقاعد المبكر على وجه الخصوص سخية جدا. ولكن على حساب القضية الأساسية وهى توفير فرص عمل للأشخاص الذين ينبغى أن يكونوا حاصلين على وظائف فى هذه المرحلة. وتصدمنا أوروبا القديمة، على الرغم من المكاسب والأنظمة الاجتماعية التى تدمر فرص العمل، وفقا لأنصار السوق الحرة. أما أولئك الذين يعتقدون أن من يتركون العمل من الأمريكيين، ويتمتعون بالإعانات الحكومية، لا يسعون للعثور على وظيفة؛ فقد أجرينا للتو تجربة قاسية على أكثر ضحايا أزمة الوظائف عندنا. ففى نهاية العام الماضى، رفض الكونجرس تجديد إعانات البطالة الممتدة، وقطعها عن الملايين من الأمريكيين العاطلين عن العمل. فهل بدأ العاطلون عن العمل الذين كانوا فى حالة يرثى لها منذ فترة طويلة، يعثرون على وظائف بسرعة أكبر من ذى قبل؟ لا، إطلاقا. وعلى ما يبدو، أن الشىء الوحيد الذى يتحقق من خلال جعل العاطلين عن العمل أكثر يأسا، هو تعميق إحساسهم باليأس.

•••

وأكد كروجمان أن الكثيرين سوف يرفضون ببساطة تصديق ما يقوله عن جوانب القوة الأوروبية. فمنذ اندلاع أزمة اليورو، كانت هناك حملة شعواء من قبل المحافظين الأمريكيين (وعدد غير قليل من الأوروبيين أيضا) لتصويرها على أنها قصة انهيار دول الرفاهة بفعل المخاوف مضللة حول العدالة الاجتماعية. واستمروا فى هذا الزعم، على الرغم من أن واحدة من أقوى الاقتصادات فى أوروبا، مثل ألمانيا، لديها دولة رفاه تتجاوز أقصى أحلام الليبراليين فى الولايات المتحدة. ولكن الاقتصاد الكلى، ليس مسرحية أخلاقية، تثاب فيها الفضيلة دائما ويعاقب العكس دائما. بل على خلاف ذلك، يمكن أن تحدث الأزمات المالية الحادة والانخفضات فى الاقتصادات التى هى فى الأساس قوية جدا، مثل الولايات المتحدة فى عام 1929. وليس هناك علاقة بأى حال، بين الأخطاء السياسية التى خلقت أزمة اليورو ــ وهى بالأساس إطلاق عملة موحدة من دون إنشاء الخدمات المصرفية والاتحاد المالى الذى تستلزمه عملة واحدة ــ وبين دولة الرفاه الاجتماعية.

•••

واختتم كروجمان المقال مشيرا إلى حقيقة أن دول الرفاهة، على النمط الأوروبى، أثبتت أنها أكثر مرونة، وأكثر نجاحا فى خلق فرص العمل، مما تسمح به الفلسفة الاقتصادية السائدة فى أمريكا.

التعليقات