معركة الفساد الطويلة - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:35 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

معركة الفساد الطويلة

نشر فى : الثلاثاء 29 سبتمبر 2015 - 8:20 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 29 سبتمبر 2015 - 8:20 ص

ندعو لمحاربة الفساد ونمارسه، نأخذ قرارات صارمة لملاحقة الفساد ولا نطبقها، آفة الفساد طالت غالبية جوانب حياتنا، ونحن هنا لا نتحدث عن الشأن العام وحده بعد أن تسللت ممارسات الفساد والإفساد إلى بيوتنا، وعششت فى حوارينا وشوارعنا، فقد بات الفساد ــ للأسف ــ ركنا من حياتنا اليومية.

عقب القبض على وزير الزراعة السابق، صلاح هلال، بتهمة تلقى رشوة، نشطت الصحف وشقيقاتها من وسائل الإعلام فى فتح ملفات والتوسع فى إجراء التحقيقات بشأن الفساد، الذى تجاوز مرحلة الوصول إلى الركب وأصبح يطال الأعناق، وتبارى الجميع فى التنقيب عن بؤر الفساد التى توطنت فى مؤسسات بعينها، رغبة فى التخلص من ظواهر تكبل المجتمع بميراث ليس أمامه إلا إعلان الحرب الشاملة عليه.

فى لقاء قبل أيام مع الزميل ياسر زكى عبر «منبر الرأى» بإذاعة البرنامج الثقافى، حاولنا تتبع ظاهرة الفساد، وكيفية التخلص منها، ودار نقاش طويل عن دور الأجهزة الرقابية، والتشريعات التى يمكن لها أن تحد من الفساد ووضعه عند معدله الطبيعى الموجود فى كل المجتمعات، باعتبار أن القضاء النهائى على الفساد أمر يصعب تحقيقه، فهو والجريمة سواء بسواء جزء من حياة البشر.

كان السؤال العريض: كيف نقضى على الفساد؟ قد تبدو الإجابة لدى البعض هينة يسيرة، فقد يقال إن الضرب بيد من حديد على المفسدين يحقق نصرا بالضربة القاضية، وقد يقول نفر آخر إن تغليظ العقوبات كفيل بردع من تسول له نفسه مد يده إلى مال الدولة الحرام، وربما يرى نفر ثالث فى «تجريس» المرتشى وفضح الراشى وسيلة ناجعة لردع بعض الفاسدين، ربما يكون فى كل ما سبق سبيلا لملاحقة الفساد، غير أن المعركة أكبر من ذلك بكثير.

ما يجعل المعركة مع الفساد صعبة أننا نتعايش معه، وقد أصبح لدينا ركائز من الفسدة يشد بعضهم بعضا، ويشكلون فيما بينهم تحالفا غير مقدس، وتلخص عبارة «فتح مخك» الثقافة العامة التى استطاع الفاسدون نقلها إلى قطاع عريض من الناس الذين يعتقدون ــ وهو أمر واقع للأسف ــ أن تخليص المصالح فى الإدارات والمؤسسات الحكومية لا يمضى بما يرضى القانون، وإنما بدفع المال فى الجيوب والأدراج، وتجاوز الأمر فى بعض الحالات ما هو أبعد من دفع المال.

التعايش مع الفساد منذ نعومة أظفار البعض منا يضعنا فى دائرة جهنمية، فالفاسد يغرى المستقيم فيقع فى براثن إفساده، وينقل جرثومته إلى شخص جديد، وتتسع الدائرة وتتشعب الخطوط داخل محيطها، بما يقوى من جدرانها الداخلية، ويجعل من قشرتها الخارجية أكثر صلابة وتماسكا، فيجد المجتمع نفسه أمام صخرة صلدة يصعب تفتيتها.

يقول البعض: «لماذا يعشش الفساد لسنوات طويلة قبل الكشف عنه؟»، ويتساءل البعض الآخر: «هل كانت الأجهزة الرقابية نائمة، أم أن الأمر يتم بشكل انتقائى لأغراض فى نفس كاشفيها؟!»، أسئلة تعاد وتتكرر مع كل قضية فساد كبرى تظهر على السطح وينشغل بها الرأى العام فترة، قبل أن تذبل أوراقها فى متاهات النسيان المعتادة!!.

الحرب على الفساد تبدأ أولى خطواتها مع إدراك الناس أنهم شركاء فيها، وتحتاج من قبل ومن بعد إلى صدق مع الذات من كل قوى المجتمع، هذا الصدق قوامه الاعتراف بمقولة «كلنا فاسدون»، إذا كنا جادين حقا فى القضاء على الفاسد والمفسد.

التعليقات