ورد وياسمين - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:47 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ورد وياسمين

نشر فى : الإثنين 30 مايو 2016 - 10:10 م | آخر تحديث : الإثنين 30 مايو 2016 - 10:10 م

بعيدا عن السياسة وتعقيداتها، وهروبا من الأحداث اليومية ومشكلاتها، وخجلا من تعرية سيدة أبو قرقاص المسنة، قررت اللجوء إلى أبى الفنون.. المسرح، فى تجربة يقول أصحابها إنها استثنائية، فهى ليست مسرحا بمفهومه التقليدى، وإن اعتمدت على مفردات المسرح المعروفة من خشبة للعرض ونص وممثلين وجمهور، فأنت أمام حالة مغايرة لكنها تستحق أن تتكرر، ربما توقظ فينا قدرات كامنة نحن أحوج ما نكون إليها.


هم مجموعة من ذوى القدرات الخاصة، الذين يطلق عليهم البعض وصف متحدى الإعاقة، 25 ممثلا، متنوعى المهارات، صنع منهم المخرج شريف فتحى لوحة فنية، تحدت كل الصعاب، لتقف على خشبة مسرح الدولة، فى تجربة تبناها فنان جدير بهذا اللقب هو فتوح أحمد، رئيس البيت الفنى للمسرح، لتخرج إلى النور على المسرح العائم بنيل المنيل، لتشع هذه اللوحة المنعكسة على صفحة النهر الخالد بهاء وجمالا.


اختار أحمد عبدالعزيز للعرض ديكورا بسيطا فى إمكانياته، لكنه غنى فى معانيه وتفاصيله، خيوط بيضاء متشابكة، وخلفية سوداء تحمل شموعا ترمز للضوء الخارج من هذه القلوب المحبة للحياة، رغم الإعاقة، فالتغلب على المعوقات سهل وبسيط، بـ«الكرسى والعكاز والسماعة»، وقبل هؤلاء إرادة داخلية صنعت من فولاذ، تجعل هؤلاء الشبان والشابات والصبية الصغار أقوى من كل الصعاب.


على مدى ساعة كاملة، ومن خلال أوبريت غنائى، يخرجك أبطال عرض «ورد وياسمين» من عالمك الضيق، إلى عوالم أخرى، تجاورك لكنك لا تراها حينا، أو تتعمد تجاهلها فى غالبية الأحيان، رغم أن أصحابها موجودون حولك فى كل مكان، لا يتركك العرض تهرب بعيدا قبل أن يضرب أبطاله بمطرقة من حديد فوق واقع «مُعِيق» لكل حلم يسعى إليه الإنسان من أجل الانعتاق من الظلم، والفساد والإهمال فى مجتمع فقد بوصلته، فغاب العدل، وضاعت القيم، فدهس القوى على حق الضعفاء، كما هى الغابة، التى يصرخ هؤلاء من ذوى القدرات الخاصة فى وجه قانونها القبيح.


«الإعاقة مش فى الجسم بس، الإعاقة فى اللى بطل يوم يحس»، كلمات صاغها مؤلف العرض وشاعره أيمن النمر، ضمن أغنيات من توزيع وألحان إيهاب حمدى، لتدوى على خشبة المسرح بعلو الصوت، علها تستفز فينا ما تبقى لدينا من إنسانية، وسط حياة باتت الأنانية، والصراع فوق جثث الآخرين أهم عناوينها، للأسف، فى ظل لهاث يومى ضمن سباق «البقاء للأقوى»، لا يهم بماذا تضحى، لكن الأهم أن تفوز!


استطاع المخرج فتحى شريف، أن يفرض حضوره وحضور ممثليه، لتقديم عرض استفاد فيه من قدرات كل واحد منهم، كل حسب ظروفه وامكانياته، «قصار القامة جنبا إلى جنب المكفوفين، وأصحاب الإعاقة السمعية أو الحركية»، ليقول لنا إن قوتنا فى أخلافنا، ووحدتنا فى تنوعنا، والضعف فى الفرقة والتشتت، وهذا درس يبدو أنه غائب عنا هذه الأيام!


لا يخلو العمل من دلالات رمزية، حتى فى ملابس أبطاله التى شكلت أكثر من مرة علم مصر، بألوانه «الأحمر والأبيض والأسود»، وانفتاحه على الجمهور فى أكثر من محطة بتوجيه الحوار إليه: «أنتم مبتتكلموش ليه، أنتم مكسوفين مننا.. هههههه، ولا مكسوفين من نفسكم»، لكن رغبة أصحاب العرض فى توصيل رسالة بسيطة ومباشرة، جعلتهم ينحون فى بعض جوانبه تجاه التوعية، ونصح الشباب بضرورة الفحص الطبى قبل الزواج، والابتعاد عن الاقتران بالأقارب من أبناء العمومة، لتقليل فرص الإعاقة بين الأجيال الجديدة.


«ورد وياسمين» عمل من إنتاج مسرح الشباب الذى يديره الفنان أسامة رءوف، وتجربة جديرة بالمساندة، فما زلنا قادرين، رغم كل الظروف، على الإبداع.

التعليقات