إدارة المخاطر ركيزة جذب الاستثمار - مدحت نافع - بوابة الشروق
الإثنين 16 ديسمبر 2024 1:31 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إدارة المخاطر ركيزة جذب الاستثمار

نشر فى : الإثنين 30 أكتوبر 2017 - 9:00 م | آخر تحديث : الإثنين 30 أكتوبر 2017 - 9:00 م
إدارة المخاطر هى موضوع متكرر لمقالاتى ومداخلاتى الإعلامية، وكانت موضوعا لكتاب ألفته صدر عام 2013. إدارة المخاطر المؤسسية يمكن استدعاؤها فى أى سياق إصلاحى فى مصر، خاصة إذا كان مدى أزماتنا الحقيقية هو ترهل الأداء المؤسسى، وإذا كانت أبرز الأمراض المؤسسية تكاد تنحصر فى سوء الإدارة، وضعف الضوابط الرقابية، وميوعة المسئولية وما ينشأ عن ذلك كله من تراجع حاد فى الإنتاجية.

إذا سأل سائل عن حال الاستثمار فى مصر، كانت المؤسسات المعنية بالتعامل مع المستثمر المسئول الأول عن تراجع تدفقات الاستثمار، وهروبها بشكل منتظم. وبعيدا عن صور الفساد المباشر التى ربما اشتملت على سرقة دراسات الجدوى بغرض تمريرها لمستثمرين آخرين، وعن الرشاوى والعمولات غير المشروعة.. فإن المماطلة، وتعدد التراخيص والإجراءات التى يتطلبها تشغيل المشروع الاستثمارى، تشكل مانعا رئيسا أمام الاستثمار المحلى والأجنبى على السواء. تلك الوجوه الشائهة للفساد والهدر المؤسسى تجد تشخيصا وعلاجا لها فى إدارة المخاطر المؤسسية. ما ينطبق على بيئة الاستثمار ينطبق على إدارة مرافق الدولة الحيوية وطرقها ومواصلاتها، والتى تتصل جميعا بالتشغيل والاستثمار وسائر متغيرات الاقتصاد، بل وبالرفاهة التى هى مبلغ سعى الدول المتقدمة وغايتها العليا.

الحلول الاقتصادية التى تسلكها الحكومة لدى مراجعة النسب المختلة بين التكلفة والإنتاج، والتى ينتج عنها ارتفاعات متكررة فى أسعار الخدمات والسلع الحكومية، كان من الممكن أن تختلف لو أن ضوابط إدارة المخاطر قد فعلت للحد من مختلف صور الهدر والفاقد فى الإنتاج والتوزيع، وما يسفر عنه ذلك من تخفيض فى جانب التكاليف، قبل النظر إلى جانب الأسعار، الذى سبق وحمل بنسب متفاوتة لما وصف مغالطة بالدعم الحكومى للسلع والخدمات، وهو يشتمل فى الواقع على دعم جزئى للفشل المؤسسى!

***
بالأمس القريب وتحديدا فى 25 أكتوبر 2017 صدر «التقرير العالمى للتنافسية الاستثمارية 2017/2018» عن منتدى التنافسية الاستثمارية، ليجمع بين دراسة مسحية شملت 750 مديرا تنفيذيا بشركات استثمار متعددة الجنسيات، وبين تحليل وتوصيات بشأن الاستثمار الأجنبى المباشر فى الدول النامية. التقرير هو أول مطبوعة من سلسلة تصدر كل عامين تستكشف محفزات التنافسية الاستثمارية فى البلدان النامية. ويخلص هذا التقرير إلى أن المستثمرين الدوليين يعطون الأولوية للاستقرار السياسى والأمن، وأوضاع الاقتصاد الكلى، و«البيئة التنظيمية المواتية» عند اتخاذ قرار بشأن وجهة ضخ استثماراتهم، والتى يمكن أن تحفز النمو وتخلق فرص العمل.

ويرى التقرير، الذى شارك فى إعداده مؤسسة التمويل الدولية بمجموعة البنك الدولى، وقطاع التجارة والتنافسية، أن الدول النامية هى مصدر مهم للاستثمار الأجنبى المباشر ومتلقية له على السواء. ويبحث التحليل قدرة تلك الدول على جذب الاستثمارات الخاصة، والاحتفاظ بها، والاستفادة منها لتحقيق نمو شامل ومستدام.

وتظهر الدراسة المسحية التى يتضمنها التقرير المذكور أن الاستقرار السياسى والأمن إلى جانب استقرار البيئة القانونية والتنظيمية هى من المقومات الرئيسة لأى دولة تهدف إلى جذب استثمارات. تلك المقومات يدرسها المديرون التنفيذيون فى الشركات متعددة الجنسيات قبل أن يخصصوا أى تدفقات لتمويل مشروع جديد، ولهذه الاعتبارات وزن أكبر بكثير من اعتبارات أخرى، كانخفاض معدلات الضرائب وتكاليف العمالة.

وإذا كان قانون الاستثمار الجديد (قانون 72 لسنة 2017) ولائحته التنفيذية (الصادرة منذ أيام وبعد طول انتظار) قد اهتما بحوافز الاستثمار ومزاياه، أكثر من الاهتمام بالتكامل مع جهود الإصلاح المؤسسى لوزارة التخطيط والإصلاح الإدارى، وجهود جهات رقابية أخرى، فإن الدراسة التى نستعرض أبرز نتائجها فى المقال تشير إلى أن حوافز الاستثمار ربما تساعد على اجتذاب الاستثمار الأجنبى المباشر، لكنها ليست فعالة بوجه عام إلا حين يفاضل المستثمرون بين مواقع متماثلة لاختيار قاعدة جديدة لصادراتهم. لكن حينما يكون الدافع للاستثمار هو الرغبة فى الوصول إلى سوق محلية أو استخراج موارد طبيعية، تصبح فعالية تلك الحوافز مشروطة بإدارة المخاطر، التى تنتظر المستثمر فى السوق الجديدة، ولدى التعامل مع حكومات ومؤسسات دون سابقة أعمال.

ويكشف التقرير عن الأهمية القصوى لتوفير الضوابط الوقائية من المخاطر السياسية والتنظيمية مثل مصادرة الممتلكات، وحظر تحويل العملات والقيود على التحويل، والافتقار إلى الشفافية فى التعامل مع الهيئات الحكومية. فالحد من تلك المخاطر على المستوى الكلى للدولة المستهدفة بالاستثمار هو أساس بدونه لن تؤدى إدارة المخاطر على مستوى المشروع إلى زيادة الاستثمار والنمو فى الدول النامية.

***

التقرير يوضح أن تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر من الدول النامية (وليس إليها) يمثل اتجاها متصاعدا. فقد زاد هذا النوع من الاستثمار بمقدار 20 ضعفا خلال العقدين الماضيين، وبحلول عام 2015، كان حجمه يشكل 20% من إجمالى تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر العالمية. وفى حين يأتى جزء كبير من هذا الاستثمار من دول ما يُعرف بمجموعة بريكس (البرازيل والاتحاد الروسى والهند والصين وجنوب أفريقيا)، فإن نحو 90% من الدول النامية تسجل حاليا تدفقات من الاستثمار الأجنبى المباشر إلى خارج حدودها. ويرى كل من التحليل والدراسة المسحية أنه فى حين يزن المستثمرون فى البلدان النامية عوامل مماثلة عند اتخاذ قرار الاستثمار، فإن المستثمرين القادمين من دول نامية أخرى يكونون أكثر استعدادا لاستهداف الاقتصاد الأصغر حجما، والأكثر تعرضا للمخاطر من دولهم! وذلك فى إطار ما يعرف باستراتيجية «الانطلاق». وذاك استخلاص مهم، لا سيما لبلدان تتعامل مع أوضاع الصراع والهشاشة وتسعى إلى اجتذاب المزيد من الاستثمارات المتنوعة، مثل مصر التى تقف فى مقدمة خطوط الحرب ضد الإرهاب كما أسلفنا فى المقال السابق. ويفيد التقرير بأن الحكومات يجب أن تطور فهما دقيقا لدوافع المستثمرين، وذلك من أجل تحقيق أفضل عائد من الاستثمار الأجنبى المباشر للاقتصاد المحلى، وأن كل نوع من أنواع الاستثمار الأجنبى المباشر يجلب معه مجموعته الخاصة به من التحديات والمنافع المحتملة.

أهمية هذا التقرير لمصر تتجلى فى صدوره عن البنك الدولى الذى يعد أحد قطبى «بريتون وودز» اللذين تجمعهما بمصر اتفاقات تمويل متعددة، وهو يشارك صندوق النقد الدولى فى مراجعة وتقييم أداء برنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى، والتأكد من أن ما تحصل عليه الحكومة من تسهيلات ائتمانية يتم ضخها فى مشروعات وقنوات تحقق التنمية المستدامة، وتعالج التشوهات الهيكلية فى الاقتصاد وخاصة تشوهات عجز الموازنة وعجز ميزان التجارة وانفلات الدين العام. إعادة النظر فى أولويات برنامج الإصلاح الاقتصادى أمر حتمى فى ضوء ما أكدته نتائج الدراسة المسحية، وما أسفر عنه التقيد الحرفى بوصفة تحرير سعر الصرف، ورفع أسعار المحروقات والفائدة المصرفية فى صورة صدمات متتالية، نتج عنها ارتفاع غير مسبوق فى معدلات التضخم وعدم قدرة أسعار الفائدة المرتفعة على كبحها فى ظل تراجع المعروض السلعى، فى غيبة أى تقدير جاد للمخاطر الاجتماعية للبرنامج الإصلاحى، وللمخاطر الاقتصادية الناشئة عن انحراف البرنامج عن مساره إذا ما أهملت الحكومة ما تفقده من موارد وطاقات وفرص بديلة نتيجة للهدر المستمر الناشئ عن تفشى الفساد المؤسسى بصوره المختلفة.

***

شهادة المؤسسات الدولية بأولوية الاستقرار المؤسسى، والتعامل المنضبط مع الهشاشة المالية والاقتصادية (التى تزايدت بفعل عدم مراجعة برنامج الإصلاح) لدى اتخاذ قرارات الاستثمار، وأهمية إدارة المخاطر فى تعزيز القدرة التنافسية الاستثمارية للدول، هى رسالة واضحة لصانع القرار المصرى بإعادة تقييم برنامج الإصلاح الاقتصادى، وتصحيح مساره دون أى إخلال بمكتسباته، أو أدنى اعتراض من مؤسسات التمويل الكبرى.

 

مدحت نافع خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل
التعليقات