نتنياهو وحرب البقاء - يحيى عبدالله - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أبريل 2025 6:07 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

نتنياهو وحرب البقاء

نشر فى : الإثنين 31 مارس 2025 - 5:45 م | آخر تحديث : الإثنين 31 مارس 2025 - 5:45 م

يخوض رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، منذ عودته إلى الحكم، عام 2022، حربًا من أجل التأبيد فى المنصب، والتهرب من المحاكمات فى التهم المنسوبة إليه بالفساد، وترسيخ حكم اليمين، وتغيير شكل النظام السياسى فى إسرائيل. كانت ضربة البداية فى هذه الحرب ما سُمى ببرنامج الإصلاح القضائى -يسميه المعارضون انقلابًا قضائيًا- الذى يتزعمه وزير العدل فى حكومته، ياريف ليفين، المقرب إليه.
يعزز برنامج الإصلاح القضائى السلطة التنفيذية - الحكومة - والتشريعية - الكنيست - ويقلص، فى المقابل، استقلالية الهيئة القضائية، بما فى ذلك المستشارين القضائيين، بحيث يكون رأيهم استشاريًا فقط، وليس ملزمًا (أعربت الحكومة الإسرائيلية بالإجماع فى جلستها يوم الأحد، 23/3/2025م، عن عدم ثقتها فى المستشارة القضائية للحكومة، جالى بهراف ميارا، تمهيدًا لإقالتها من المنصب)، والمحكمة العليا، من خلال تغيير تشكيلها، وتغيير تشكيل اللجنة التى تعين القضاة، بحيث يتسنى التحكم فى اختيار الأكثر ولاءً، وأكثر يمينية (أقر الكنيست، بالفعل، مشروع قانون يوم الخميس 27/3/2025م يغير تشكيل اللجنة المكلفة باختيار القضاة بما يعزز قوة الساسة ويضعف قوة العناصر المهنية)، والسيطرة على وسائل الإعلام من خلال السعى إلى خصخصة هيئة البث الحكومية.
ازدادت حرب البقاء ضراوة بعد إخفاق السابع من أكتوبر 2023م، وإعلان جميع القادة العسكريين، تقريبًا،- استقال بعضهم بمبادرة منهم فيما أقال نتنياهو البعض الآخر- تحملهم المسئولية عما جرى من تقصير فى السابع من أكتوبر، وطالبوا المستوى السياسى- نتنياهو خاصة- بتحمل مسئوليته هو أيضًا، وبتشكيل لجنة تحقيق رسمية لبحث أسباب التقصير.
• • •
لجأ نتنياهو، لكى يتهرب من هذا الاستحقاق، الذى قد يحمله جزءًا من المسئولية، ويهدد طموحه السياسى، الجامح، إلى وسيلتين لإسكات الأصوات المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية: الأولى استئناف الحرب على غزة، وخرق اتفاق وقف إطلاق النار الذى وقعته إسرائيل مع حركة حماس برعاية أمريكية، مصرية، قطرية، فى الثامن عشر من شهر مارس 2025م؛ والثانية هى إقالة رئيس جهاز الشاباك- جهاز الأمن العام- رونين بار.
نتنياهو، بحسب ناداف إيال، على استعداد لتمزيق الشعب الإسرائيلى إربًا إربًا، من أجل إعفاء الحريديين من التجنيد، ومن أجل رفض إقامة لجنة تحقيق رسمية. على استعداد لتحطيم كل شىء لقاء الاحتفاظ بالكرسى، رغم أن ما بين 60 و70% من الجمهور يريدونه أن يرحل. أشار، رئيس الشاباك، رونين بار، فى رده على قرار الإقالة، الذى اعتمده مجلس الوزراء الإسرائيلى بالإجماع، فى 20/3/2025م، إلى مسألة تهرب نتنياهو من المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية فى أحداث السابع من أكتوبر، قد تكشف جوانب التقصير لديه، قائلًا: «من الواضح أن مشروع القرار (قرار الإقالة) يخفى الدوافع التى تقف فى صلب نية إنهاء فترة ولايتى (...) إنه يستهدف عرقلة قدرة الشاباك على أداء دوره بشكل رسمى، طبقًا للقانون ولصالح دولة إسرائيل وليس لصالح مصالح شخصية، وللحيلولة دون تحرى الحقيقة فيما يتعلق بالأسباب التى أدت إلى السابع من أكتوبر»؛ وهو ما يشير إليه، رون بن يشاى: «إن مطالبة رونين بار، مرارًا وتكرارًا، بتشكيل لجنة تحقيق رسمية، كان آخرها، عندما نشر تحقيق الشاباك فى أحداث السابع من أكتوبر، ووجه فيه إصبع الاتهام إلى نتنياهو بأنه لم يأبه بالتحذيرات المتكررة من جانب الشاباك بدءًا من حملة «حارس الأسوار» عام 2021 حتى اليوم، بشأن الخطر المرتقب من «حماس» ومن الحفاظ على حكمها وقوتها العسكرية من خلال منحها منحًا شهرية بعشرات ملايين الدولارات، كان نتنياهو صاحب المبادرة بها لأسباب سياسية لكى ينسف فكرة دولتين لشعبين، مفترضًا أن الساحة العالمية لن تنظر إلى حماس بوصفها هيئة مشروعة يمكن أن تشكل دولة مع السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية».
لقد أصابت التحقيقات التى أجراها الشاباك عن أحداث السابع من أكتوبر، وحمَّل فيها المستوى السياسى مسئولية التقصير، نتنياهو بالفزع، و«أخرجته عن طوره»، ولم يصدق ما قرأته عيناه، كما يقول، ناداف إيال. ثمة توافق، إذًا، بين معظم المحللين على أن خوف نتنياهو من تشكيل لجنة تحقيق رسمية فى أحداث السابع من أكتوبر 2023م، ورغبته فى التأبيد بالحكم، يأتى على رأس الأسباب التى دفعته إلى إقالة بار.
• • •
لكن ثمة أسبابًا أخرى تقف خلف قرار إقالته، وهى ليست ببعيدة، أيضًا، عن نهم نتنياهو للبقاء فى السلطة، منها ما سمَّاها، رونين بار، «القضايا الخطيرة التى يباشر الشاباك التحقيق فيها الآن»، وتُعرف فى الصحافة الإسرائيلية باسم «قطر جيت»، أو العلاقات التى أقامها مستشارون فى مكتب نتنياهو مع قطر، لقاء مبالغ مالية، وهى علاقات تثير، بحسب رون بن يشاى، «شبهات كبيرة بتسريبهم معلومات لقطر، عرَّضت أمن الدولة للخطر، وأتاحت للإمارة التأثير على مكتب رئيس الحكومة». من هنا كان سعى نتنياهو، فى سبيل تكريس حكمه، حكم الملك، كما يقول آفى يساخاروف، إلى التخلص من المحقق الرئيس فى قضية «قطر جيت»، رئيس الشاباك، رونين بار، إذ تخيفه وترعبه إمكانية أن يفضى التحقيق فى القضية إلى نتائج صعبة ضده.
بالنسبة له، مثلما وصفت ذلك زوجته فى حينه، «تتحرق الدولة»، المهم أن يبقى وأن يظل على كرسيه. المعنى، نفسه، يؤكده، المستشار السابق لنتنياهو، موشيه كلوجهفت: «ما يهم رئيس الحكومة، المسئول الرئيس عن (مذبحة) السابع من أكتوبر، هو تنقية نفسه من كل شائبة ومن كل مسئولية وتعزيز وضعه فى الحكم إلى ما لا نهاية». من اللافت، بحسب المراقبين، أن نتنياهو يمضى بخطى حثيثة فى حربه ضد المؤسسات القضائية، بعد مجيئ ترامب، الذى يخوض حربًا ضد «الدولة العميقة»، إلى السلطة. هو يأمن جانب ترامب، الذى لن يجرؤ على أن يلومه، مثلما فعلت إدارة جو بايدن.
عاد نتنياهو من زيارته للولايات المتحدة الأمريكية «تنهشه الغيرة»، كما يقول، باراك سرى، من المعركة التى يديرها الرئيس ترامب ضد المحكمة العليا وضد كل هذه الأشكال التى يصفها هو وأنصاره بـ«الدولة العميقة». هو يريد أن يكون مثل ترامب؛ بل إنه يرى أنه يستطيع القيام بالمهمة أفضل من ترامب، كما يقول بن كسبيت: «تتمثل الحكمة التى عاد بها من زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية فى أن كل ما يفعله ترامب، يستطيع أن يفعله هو بشكل أفضل».
• • •
ينظر كثير من المحللين الإسرائيليين إلى الخطوات التى يتخذها نتنياهو بقلق كبير، لكونها قد تؤثر على تماسك وتكتل المجتمع الإسرائيلى فى مواجهة التحديات الخارجية، وقد تضعفه، وتضر بصورته فى الخارج، ولكونها قد تشعل حربًا أهلية داخل إسرائيل، كما يقول، ناحوم برنياع: «المواجهة بين نتنياهو وبار خطيرة. تقربنا إلى نوع من الحرب الأهلية، بدون سلاح حتى الآن، لكننا بالفعل فى مرحلة فقدان الثقة وعدم الامتثال فى الهيئات الأمنية»، ولكونها ستحدث شرخًا وانقسامًا حادًا فى المجتمع الإسرائيلى بين جماعة لديها قناعة بأن الإصلاحات القضائية أمر طبيعى ومستحق، وجماعة لديها قناعة بأن نتنياهو وزمرته تجاوزوا كل الحدود.
لكن أكثر ما يحذر منه المحللون هو، أن تتحول إسرائيل إلى دولة ديكتاتورية، وأن تتغير طبيعة الحكم فيها، وأن تتغول السلطة التنفيذية وسلطة الساسة على السلطة القضائية، كما يقول، آفى أشكنازى: «لقد اتخذنا هذا الصباح خطوة على طريق تغيير طبيعة دولة إسرائيل. إن قرار إقالة بار قرار آخر فى بناء الديكتاتورية الإسرائيلية (...) القرارات الأخيرة تقود إسرائيل نحو انقلاب فى طبيعة الحكم بها وفى طبيعة سلطات المؤسسات، يعرض حرية المواطنين الإسرائيليين للخطر، ويعرض حرية التعبير للخطر، ويحول إسرائيل إلى مكان أقل جودة (...) هذا هو الواقع الذى نقدم عليه الآن. مطلوبٌ من كل صاحب منصب أن يظهر ولاءً للملك وليس للمملكة. سيُقال كل من لا يكون وفيًا للملك، الآن وهنا. قد يُلاحق ويُطارد كل من سيشكك فى الملك، ويحقق معه». وهو الرأى، نفسه، الذى ذهب إليه بن كسبيت: «هذه هى المرحلة الأخيرة فى تحويل إسرائيل، من دولة ديمقراطية برلمانية غربية إلى ديكتاتورية شرق أوسطية ظلامية. الولاء فيها للملك، وليس للمملكة. من لا يقسم باسم الزوجة، والابن وروح القدس فسيذهب أدراج كل الرياح، هكذا ببساطة».
من شبه المؤكد أن تنتهى المواجهة الدستورية، الحالية، حول إقالة، رئيس الشاباك، رونين بار، والمستشارة القضائية للحكومة، جالى بهراف ميارا، وتغيير تشكيل لجنة تعيين القضاة، بتعيين رئيس جديد للشاباك، وبتسريع عملية إقالة المستشارة القضائية للحكومة، وبتعيين شخصيات سياسية موالية لنتنياهو فى لجنة تعيين القضاة. سيكون فى إسرائيل رئيس جديد للشاباك، يدين بالولاء لنتنياهو، ونيابة عامة جديدة، ومحكمة عليا جديدة، وقوانين أساس جديدة. سيظل نتنياهو وائتلافه، المتطرف، فى سدة الحكم حتى ميعاد الانتخابات المقبلة فى أكتوبر 2026، مع صلاحيات أكبر، إلاَّ إذا رفضت المحكمة العليا الإجراءات الأخيرة، ولم يمتثل نتنياهو لقراراتها، وخرجت كتلة شعبية حرجة إلى الشارع تطالب باحترام قرارات المحكمة العليا، وتصاعدت احتجاجات النقابات، وازداد سخط أفراد الاحتياط. تبقى كل السيناريوهات مفتوحة، وكل الاحتمالات قائمة.

 

 

يحيى عبدالله أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة المنصورة
التعليقات