يوم الخميس الماضى تحدثت فى هذا المكان عن العلاقات المصرية والعربية مع ألمانيا بمناسبة انعقاد الدورة رقم ٢٨ للمنتدى الاقتصادى العربى الألمانى يومى الإثنين والثلاثاء الماضيين فى العاصمة برلين.
خلال المؤتمر كانت هناك أرقام وبيانات وإشارات تتحدث بالتفصيل عن مستقبل العلاقات المصرية الألمانية على لسان خبراء ومسئولين فى هذا الملف، سوف أتناول وأناقش بعضها فى هذه السطور.
وخلافًا للصور النمطية والسلبية، فإن مستقبل العلاقات بين البلدين يبدو واعدًا إلى حد كبير، إذا استغل البلدان الإمكانيات الكثيرة فى كل منهما.
الدكتور أشرف منصور، رئيس مجلس أمناء الجامعة الألمانية، التى رعت انعقاد هذا المنتدى، قال إن اقتصاد مصر متنوع، وهو يدرك من خلال تجاربه أن الشركات الألمانية أسست مجموعة من الشركات الناجحة فى مصر، التى تتمتع بموقع استراتيجى يجعلها خيارًا جذابًا لسلاسل التوريد، لأن هذا الموقع يوفر نحو ٥٠٪ من تكلفة الوقت والنقل، مقارنة بالسلع القادمة من آسيا.
د. منصور لفت النظر إلى أن مصر لديها عمالة فنية تتمتع بمهارة كبيرة وبأجور مناسبة، ولديها بنية تحتية متطورة من شبكات طرق وموانئ ومناطق حرة وقطارات ومحطات طاقة، مع سوق كبيرة تضم نحو ١١٨ مليون نسمة يتوقع أن يصلوا إلى ١٦٠ مليون نسمة بحلول ٢٠٥٠. وإذا أضفنا الاستقرار السياسى الذى تتمتع به مصر والاتفاقات التجارية مع كل من الاتحاد الأوروبى وإفريقيا، فيمكن لمصر أن تكون قادرة على الإنتاج بأعلى درجات الجودة.
ثم إن هناك عاملًا مهمًا أشار إليه الدكتور أشرف منصور هو وجود مدارس ألمانية تخرج طلابًا يتحدثون باللغة الألمانية يزيد عددهم الآن على ٤٠٠ ألف خريج، يمكنهم العمل فى السوق الألمانية إضافة إلى جامعتى الألمانية و«الألمانية الدولية»، وهما عابرتان للحدود، وتعدان من الأكبر على مستوى العالم.
الدكور أشرف منصور وخلال حديث جانبى معه، قال إن الحكومة الألمانية الجديدة اعتمدت وضع مصر ضمن عشر دول، لها الأولوية فى التعاون الاقتصادى خلال السنوات العشر المقبلة.
منصور لفت النظر إلى أن النقاشات الحالية تشير إلى سعى الحكومة المصرية بجدية للتمييز بين التدريب المهنى والتعليم الفنى، إضافة إلى وجود استعداد قوى للاستثمار فى الابتكار والتعليم خصوصًا فى البرامج المتخصصة التى تستهدف المهنيين فى المجالات الفنية. ومن خلال النقاش مع د. منصور، فهو متفائل بقدرة التعليم المصرى على التطور وجذب انتباه العالم إلى مصر، وبالتالى رفع معايير التعليم وسمعته على المستوى الدولى.
لفتت نظرى أيضًا كلمة السفير المصرى فى برلين الدكتور محمد البدرى الذى تحدث عن المزايا الموجودة فى مصر خصوصًا العمالة الشابة الماهرة وأسعار الطاقة المنخفضة مقارنة بأوروبا واتفاقات التجارة الحرة المبرمة بين مصر ودول عربية مع مناطق أخرى عالمية. الأمر الذى يفتح الباب أمام البضائع الألمانية لدخول هذه الأسواق، ولم ينسَ البدرى الإشارة إلى المنطقة الحرة لقناة السويس التى بدأت فى جذب العديد من الدول الكبرى للاستثمار فيها.
وهو يرى أن العامل الجغرافى يلعب دورًا كبيرًا فى التقريب بين ألمانيا والعالم العربى، مشيرًا إلى أن الاضطرابات التى شهدتها الملاحة الدولية فى قناة السويس أثرت على المؤشرات الاقتصادية فى ألمانيا سلبًا.
البدرى حدد الأسس اللازمة لنجاح الشراكة بين ألمانيا والعرب فى ضرورة احترام النظام الدولى القائم على القواعد والاحترام المتبادل ومحاربة التطرف والإرهاب ودعم الوسطية والاعتدال، مؤكدًا أن مصر والوطن العربى يعدان المكان الأنسب للاستثمارات الألمانية.
المداخلة المهمة جدًا خلال المؤتمر، وحازت انتباه واهتمام كثيرين كانت كلمة المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار، وكان فيها شديد التفاؤل، لكنه أيضًا شديد الواقعية، خصوصًا وهو يرصد بعض التحديات التى تواجه مصر، ومنها تراجع دور القطاع الخاص فى عملية التنمية، وكذلك ارتفاع نسبة الديون والعدد الكبير من الرسوم والضرائب التى تعيق عمل المستثمرين، وهو الأمر الذى يحتاج إلى نقاش تفصيلى.