تبدو التحديات التى تنتظر القادة العرب فى القمة العربية التى تستضيفها العاصمة السعودية الرياض فى منتصف الشهر الجارى بالغة التعقيد والحساسية، خاصة وأن المنطقة تعيش لحظة تاريخية فارقة وتحيط بها الأزمات إحاطة السوار بالمعصم، وتحاصرها الصراعات الطائفية والتهديدات الإرهابية من كل جانب، علاوة على التدخلات الخارجية فى شئونها الداخلية من جانب إيران فى اليمن وسوريا والعراق ولبنان، ودخلت على الخط تركيا التى احتلت أجزاء من سوريا وانفتحت شهيتها لاحتلال المزيد من المدن والأراضى السورية، بسبب العجز والصمت العربى، وتعتزم مواصلة تدخلها فى العراق.
القمة تنعقد والقضية الفلسطينية تمر بأخطر منعرج تشهده فى تاريخها ومحاولة تصفيتها نهائيا بعد قرار الولايات المتحدة بنقل سفارتها إلى القدس فى مايو المقبل، وإعلان إدارة ترامب نيتها طرح صفقة استراتيجية لتسوية الصراع العربى ــ «الإسرائيلي»، قالت إنها ستطرحها فى الوقت المناسب الذى يتوقع أن يتزامن مع عملية نقل السفارة. ووفقا للتوقعات ستكون هذه الاستراتيجية بمثابة تصفية للقضية الفلسطينية والاعتراف بسيادة «إسرائيل» على الضفة الغربية وربما على كل الأراضى الفلسطينية.
هناك إجماع على أن ما تعيشه المنطقة من فوضى غير مسبوقة وهزات منذ عام 2011 نتيجة لما يسمى بـ«الربيع العربى»، وفى هذا الصدد قال الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط فى حوار صحفى نشر الأسبوع الماضى «بأن العالم العربى تعرض لهزة كبرى أخطأ البعض فى تسميتها بـ«الربيع العربى» وكانت مأساة أدت إلى تدمير دول بالكامل وتهديد مستقبل شعوبها، ورأى أن الأمل ما زال موجودا فى إصلاح الشأن العربى وفى بناء التواصل بين العرب حفاظا على الإقليم العربى من أطماع القوى الطامعة فيه وبالتحديد إيران».
لقد كانت تجربة «الربيع العربى» بلا شك وبالًا على دول وشعوب دفعت الثمن غاليا، وهى تجربة تحتاج إلى تقييم أمين، خاصة أنها كانت تهدف لتسليم السلطة فى البلدان التى استهدفتها لجماعة «الإخوان» الإرهابية، واستثنى ذلك المخطط دولًا بعينها، رغم أنها كانت تعيش ظروفا سياسية واقتصادية أسوأ بكثير مما كانت عليه ليبيا فى عهد القذافى أو تونس فى عهد ابن على أو مصر فى زمن مبارك، لذلك فإن قمة الرياض مطالبة بتجاوز المرارات التى خلفتها هذه التجربة والتطلع لبناء مستقبل واعد للأجيال القادمة.
إن الشعوب العربية من الخليج إلى المحيط تتطلع لأن تكون قمة الرياض بداية لمرحلة جديدة من التوافق والتضامن العربى الحقيقى، وهو أمر صعب ولكنه ليس مستحيلا، فقط يحتاج لإرادة حقيقية وعزيمة صادقة وجهد مخلص؛ حتى تحل القضايا العربية بأيدٍ عربية، فهل نطلب المستحيل؟!!
فتح العليم الفكى
الخليج ــ الإمارات