يبدو أن «جمعية محبى الاستعمار» لا تزال مصرة على إعادة تمثال النصاب الفرنسى فرديناند ديليسبس (1805- 1894) إلى قاعدته على مدخل القناة فى بورسعيد، بعد نقله فى أكتوبر 2020 من المدينة مطرودًا إلى محافظة الإسماعيلية، ملفوفًا فى ملاءة صفراء استخدمتها شركة المقاولين العرب لمواراته عن العيون خلال رحلته إلى متحف هيئة قناة السويس.
خرج التمثال بعد لغط وفتنة، أثارها دعاة إعادة التمثال إلى النصب الذى نسفه ابناء بورسعيد ردًا على العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، الذى شاركته فيه فرنسا وبريطانيا وإسرائيل عقب إعلان الزعيم جمال عبدالناصر تأميم شركة قناة السويس شركة مساهمة مصرية، لتعود القناة إلى حضن مصر التى دفع عشرات الآلاف من أبنائها أرواحهم خلال العمل بالسخرة فى حفرها.
اعتقدنا أن الخروج المهين لتمثال ديليسبس من بورسعيد، إثر حملة شعبية رفضت بشكل قاطع وضعه مرة أخرى عند المدخل الشمالى للقناة، كان بمثابة إغلاق لهذه الصفحة، لكن الجدل تفجر مرة أخرى إثر قول محافظ بورسعيد اللواء محب حبشى، فى إطار الاحتفال بالعيد القومى للمحافظة فى 23 ديسمبر الماضى: «طلبنا من رئيس الوزراء عودة تمثال ديليسبس ورئيس الوزراء وعد بدراسة الأمر».
لا أعرف ما الذى استجد كى يدفع محافظ بورسعيد لفتح الباب مجددًا أمام إعادة تمثال ديليسبس، وإلقاء الكرة فى ملعب السيد رئيس الوزراء، بعد حديث محافظ بورسعيد السابق اللواء عادل الغضبان عن إغلاق هذا الملف، عندما سألته خلال لقاء مع عدد من الصحفيين والإعلاميين بديوان عام المحافظة مطلع ديسمبر 2021: هل هناك نية لإعادة تمثال ديليسبس أم أن الملف أغلق؟
فى رأى الدكتور أحمد الصاوى، أستاذ الآثار بجامعة القاهرة وابن بورسعيد، إن فتح الباب مجددًا أمام إعادة تمثال ديليسبس، يأتى استمرارًا لضغوط «جمعية أصدقاء قناة السويس، وهى جمعية فرنسية تابعة لإحدى شركات الطاقة التى أسستها حملة أسهم الشركة العالمية لقناة السويس بعد تأميمها، وهذه الشركة تستخدم جمعية فى بورسعيد هى أشبه بجمعية صداقة مصرية فرنسية على المستوى المحلى كمنبر للضغط من أجل إعادة تمثال ديليسبس».
سألت الدكتور الصاوى: «لماذا يصر أبناء بورسعيد على رفض عودة تمثال ديليسبس، أليس للرجل الفضل فى حفر القناة؟ سارع بالرد: الإصرار على رفض عودة التمثال نابع من كون صاحبه شخصا غير جدير بالتكريم بشكل إنسانى مطلق، فهو مدان بمحاولة رشوة النواب الفرنسيين وارتكاب جريمة النصب وحكم عليه جنائيًا فى فرنسا، واحترامًا للقيم الإنسانية لا يجوز نصب تمثال له».
يواصل الصاوى شرح وجهة نظره «بالنسبة لمصر هو ارتكب عدة جرائم بحقها أولها عقد الامتياز المجحف الذى أدى مثلًا إلى مقتل قرابة 120 ألف مصرى أثناء أعمال الحفر السخرة نظرًا لعدم استخدام الآلات الحديثة وقلة الغذاء وماء الشرب والعناية الطبية».
ديليسبس الذى لم يكن مهندسًا على عكس الشائع خطأ، لم يكن أيضًا، كما يؤكد دكتور الصاوى صاحب فكرة شق قناة السويس بل إنه اختلس مخططات المهندس نيجرللى ورفعت ابنة المهندس النمساوى الإيطالى الأصل قضية على شركة قناة السويس، بسبب تلك السرقة، وحصلت على تعويض سخى لورثة نيجرللى».
إذن ديليسبس ليس جديرًا بأى تكريم حتى نعيده إلى الواجهة، مقابل أوهام بعض المنتفعين عن الحصول على فوائد سياحية واقتصادية (!!) قد يجلبها حلف الاستعمار القديم الذى يتسلل فى ثوب جديد من باب الصداقة (!!).
نجدد التأكيد على أن تمثال ديليسبس خرج من بورسعيد بقرار رسمى، ورسالة شعبية تقول إن الرمز الاستعمارى الفرنسى ليس أقوى من كرامتنا الوطنية، وعلى المطالبين بعودته التوارى خجلًا، فمن نسف المصريون «جيشًا وشعبًا» تمثاله فى 24 ديسمبر 1956 يجب ألا يعود تحت أى ظرف من الظروف.