أكتوبر لن يكون بيضة الديك - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:43 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أكتوبر لن يكون بيضة الديك

نشر فى : الإثنين 7 أكتوبر 2019 - 9:10 م | آخر تحديث : الإثنين 7 أكتوبر 2019 - 9:10 م

ستظل حرب أكتوبر المجيدة التى نحتفل هذه الأيام بذكرى مرور ست وأربعين عاما على أحداثها تقدم الدروس والعبر، لكيفية صنع النصر من قلب الهزيمة، وستبقى ملهمة لعشرات الأجيال القادمة فى كيفية الصمود فى وجه العواصف، ليس فى ساحات القتال فقط، بل فى ميادين الحياة اليومية بكل تحدياتها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
حرب أكتوبر أثبتت قدرة الجنود والضباط والقادة، والشعب المصرى ذاته، على صنع المستحيل فى ملحمة العبور إلى الضفة الأخرى لقناة السويس، وكسر أنف وصلف وغرور الجيش الإسرائيلى الذى تبحج بأنه لا يقهر، فإذا بجنوده يولون الدبر أمام صيحة: «الله أكبر».
كما جسدت حرب أكتوبر، الحلم العربى الدائم الذى يراودنا بلم الشمل والتضامن فى مواجهة التحديات الكبرى؛ حيث خرج العرب من تلك المعركة بروح جديدة، أعادت إليهم الثقة فى النفس، بعد أن تمكنوا بتعاونهم ونضالهم المشترك من محو هزيمة يونيو 1967، وإلحاق العار بالجيش الإسرائيلى الذى ظن قادته أنهم باتوا فى مأمن من لهيب النيران التى استعرت فى خنادقهم.
ولأول مرة فى تاريخ العرب الحديث والمعاصر، تتكاتف الحكومات جنبا إلى جنب مع الشعوب فى ملحمة قومية، أكدت أن النصر حليف التعاون والعمل المشترك ضد الخطر الداهم.
فقد مثلت إسرائيل، ولا تزال، تهديدا مباشرا للكيان القومى العربى، ما دفع الروح الجمعية العربية إلى تحدى ذاتها بحثا عن نصر صنعته جبهات القتال فى ظهر السادس من أكتوبر 1973، عندما عبر الجندى المصرى قناة السويس، محطما خط بارليف الحصين، بالتزامن مع انطلاق المقاتل السورى للالتحام بالعدو على جبهة الجولان.
اليوم يجد العرب أنفسهم فى وضع أكثر تعقيدا وصعوبة مما خلفته هزيمة 5 يونيو عام 1967، فها هى الشريك الأكبر لمصر فى حرب أكتوبر تكتوى بنيران ميليشيا الإرهاب والتطرف على اختلاف مشاربها مدعومة بقوى إقليمية ودولية تستهدف الكيان السورى ذاته، فيما يمزق الصراع التراب اليمنى، فى وقت تغرق فيه ليبيا فى معارك ربما تحتاج لسنوات طوال حتى تتجاوز آثارها على البشر والحجر.
كتل النار المشتعلة فى العديد من البلدان العربية تحيط بمصر التى كانت الركن الركين فى حرب أكتوبر المجيدة، وهى اليوم تواجه قوى الظلام والإرهاب فى الداخل، والمتربصين فى الخارج، مع دخول مفاوضات سد النهضة الإثيوبى إلى طريق مسدود، بما يفتح الأبواب على مصراعيها أمام سيناريوهات عدة من أجل الحفاظ على حقنا التاريخى فى حصة مياه النيل الذى يمثل للمصريين شريان الحياة الذى دونه الموت.
تحتاج مصر إلى ترتيب أوراقها الداخلية جيدا، وهى تخوض غمار معركة تفرض عليها الآن، وتستهدف جوهر وجودها، ما يستدعى فتح النوافذ أمام نقاش عام واسع يتيح للجميع الإدلاء برؤيتهم فى التعامل مع الواقع الجديد فى ظل التعنت الإثيوبى الظاهر، ومراوغة أديس أبابا الدائمة لفرض الأمر الواقع.
تحديات اليوم ربما تفوق بمراحل مأزق الهزيمة الذى وجد المصريون أنفسهم فيه غير أن الروح التى تجسدت فى أكتوبر 1973، تجعلنا أكثر ثقة فى أنفسنا، فمهما تغيرت الظروف، واشتدت الأزمات، دائما يكون الرهان على القدرات الكامنة فى روح هذا الشعب التى يصعب إزهاقها مهما حاول البعض أو سعى إلى ذلك سبيلا.
نصر أكتوبر لم يكن بيضة ديك مستحيلة، بعد أن شكل، بتضحيات الشهداء وجهد الأحياء، حقيقة قائمة من لحم ودم لا يمكن نسيانها، فقط نحتاج إلى أن نستنهض روح أكتوبر التى تحدثنا عنها كثيرا، وأن تتحول هذه الروح إلى برنامج عمل وطنى، ينهى حالة الإقصاء والتهميش للعديد من القوى الوطنية، ويطلق الحريات من عقالها، ويضرب بضراوة على يد المفسدين، وأن نؤمن بأن المصريين جميعا، باستثناء من تلوثت أيديهم بالدماء، شركاء فى الوصول بهذا البلد إلى بر الأمان.

التعليقات