ما أجمل عناوين بعض الأفلام التى قامت ببطولتها فاتن حمامة، ومنها فيلم «لن أبكى ابدا»، «سلوا قلبى»، و«طريق الأمل»، وكم أحب بشكل خاص فيلم «حتى نلتقى» إخراج هنرى بركات، وهو مقتبس عن مسرحية أمريكية تحولت إلى فيلم فى الولايات المتحدة عام 1958، من تمثيل كارى جرانت، ومن المعروف أن بركات كان فى أحسن حالاته مع فاتن، خاصة حين جسدت شخصية آمال النجمة السينمائية التى عانت من انفصال أبيها عن أمها حين كانت صغيرة بعد أن وقع الأب فى غرام امرأة أخرى وهاجر بيت الزوجية، وهو الممثل الكبير، لقد صارت آمال مثل أبيها بعد أن قابلت المؤلف ممدوح وشعرت نحوه بعاطفة الحب، ثم علمت أنه متزوج، وله ابنة أصابها حادث تسببت فيه زوجته، ومن يومها صارت هناك برودة فى العلاقة بين الأبوين، الدائرة تدور وهذه هى آمال تعيش ظروفا مشابهة، تكاد أن تقترن بالمؤلف ممدوح، لكنها تعرف أنه صاحب أسرة، وحتى لا تتسبب فى أن تتألم ابنة ممدوح مثلما تتألم هى عندما جلست فوق سريرها وهى تدعو الله أن لا تقع فى الحب يوما ما.
كل شىء يدفع آمال أن تتصرف مثلما فعلت، وأن تضحى بعواطفها وتهجر حبيبها كى لا يكون أمامه سوى العودة إلى أسرته، مسكينة آمال صدمت بقوة مرتين فى حياتها دون أن تمتلك الدفاع عن نفسها لتغيير مسار حياة أمها، لقد اندفع أبوها وراء مشاعره واقترن بزوجة جديدة، وترك أم آمال تتعذب، أما آمال وقد قامت بتخزين آلامها مع أمها التى تركتها وحيدة كى تواجه مصيرها مع أول رجل تقابله، ممدوح، الصورة الجديدة من أبيها، هناك مشهدان فى الفيلم يعبران عن ما يحدث للبشر بسبب الفراق عن الزوجة، الأول مع الطفلة آمال التى تدعو ربها أن يبعد عنها أى ارتباط بالرجال، والمشهد الثانى عندما يأتى أبوها لزيارتها ويسألها عن قرارها عن الافتراق عن الرجل الذى أحبته، يبدو الأب هنا ضعيفا عما بدر منه، وحتى لا تقف آمال الموقف نفسه فإنها تهب نفسها لفنها، وتكتفى بأضواء الكاميرات وحضور حفلات التكريم.
أدت فاتن حمامة مثل هذه الشخصية فى أفلام أخرى وهى تضحى بنفسها من أجل الآخرين مثلما حدث فى فيلم «دعاء الكروان» عام 1959 هنرى بركات، ذلك المخرج الذى اهتم بمسألة التضحية بأن يفوز الآخرون بمن يحبون، إنها تضحية مقرونة بالقسوة، فهل يمكن لآمال أن تنسى تلك التجربة؟ وهل يمكنها أن تقع مجددا فى حب رجل آخر؟ لقد كان أمامها الممثل زميلها صلاح الذى كم عرض عليها عواطفه لكن الإنسان لا يملك أن يوجه مشاعره كما يريد، ولعل تلك النهايات المفتوحة قد حفرت الألم لدى أكثر من طرف حول آمال، ولا أعتقد أن ممدوح سيعود بقلب مفتوح إلى بيته حتى ولو كانت آمال قد وجدت فى صلاح بديلا، كل هذه الافتراضات مكانها خارج مشاهد الفيلم وهذا هو قانون النهايات السينمائية المفتوحة، هناك تساؤل دائم عن تصرفات الآخرين.
عملت فاتن أمام عماد حمدى فى أكثر من عشرين فيلما، أغلبها بمثابها روايات عالمية وعربية تم تمصيرها ومنها: «لا أنام»، «لا تطفئ الشمس»، و«حب فى الظلام»، و«لن أبكى أبدا »، وقد صنعت من خلال هذا الثنائى أفلاما ذات قيمة أخرجها أصحاب الأسماء المتميزة فى التأليف والإخراج والتصوير، وتتسم أفلام بركات بالبساطة التى تتفق مع أجواء الرومانسية والتضحية.