لكل ثقافة «طرزان» الخاص بها، انه الطفل الذى تربى بين الحيوانات، بعد أن توفى أبواه غرقا فى المحيط، فصار يجمع بين صفات الإنسان والحيوان، وعلى سبيل المثال تقول أساطير الرومان ان الطفلين روملس وروماس قد تربيا بين الحيوانات، وعلى اطلال جسديهما تم بناء مدينة روما، وفى التراث العربى فان حى بن يقظان كان أبرز تلك الشخصيات، وفى القرن العشرين كانت شخصيات طرزان الرجل القرد هى الأكثر شهرة طوال سنوات القرن، وتحولت إلى أكثر من 180 فيلما، وقد أعجبت السينما المصرية بالشخصية فرأينا طرزان فى افلام عديدة، او الطفل المصرى الذى تربى بين الحيوانات، خاصة القردة التى رضع منها، ومن أشهر الأفلام «إسماعيل يس طرزان» المأخوذ عن الفيلم الايطالى «توتو طرازان»، وقد اعيد اخراج الموضع عام 1977 فى فيلم «شيلنى وأشيلك» لعلى بدرخان. وفى المرتين كانت الشخصية القادمة من الغابة هى رجل بدائى، اما فيلم اليوم فان لدينا طرزانة، أى طرزان امرأة جسدتها تحية كاريوكا باسم«نادوجا» عام 1944 فى فيلم من اخراج حسين فوزى، ولا شك أن الممثلة الأنسب لمثل هذه الشخصية فى تلك الفترة هى كاريوكا، إلى جوار المطرب الصداح الذى نسيناه تماما محمد البكار.
محمدالبكار هو بالتقريب البطل المطلق للفيلم، يبدو وسيما رشيقا، بطوله الفارع فى تلك السنة، يغنى، ويتعارك، ويبدو بالغ الفتوة والحيوية، هو الذى يقود قبيلة الباحثين عن قريبته نادية التى اختفت فى الغابات منذ عدة سنوات، ويجب العثور عليها واعادتها إلى بيت أهلها لترث ما تركه لها أبوها قبل وقاته، ورغم كل جاذبية تحية كاريوكا، وأن الفيلم ياسم نادوجا، فان الممثلة الراقصة لم تظهر على الشاشة الا بعد قرابة أربعين دقيقة، رغم أن البكار لم يكتب اسمه كمنتج على الفيلم، فان الأمر تكرر لاحقا مع صباح فى فيلم «قلبى وسيفى»، بدا كأنه كان يعرف تماما أن الزمن سوف يتجاهله تماما فقرر انتاج افلامه، ولكن للأسف فان كل هذه الاغنيات التى غناها فى فيلم «نادوحا»، وأفلام أخرى، لم نسمعها تتردد فى اذاعاتنا طوال السنوات، ولكنه بهذا يترك درسا لجميع المطربين أن يتجهوا إلى السينما فهى الوسيلة الوحيدة للابقاء على اغنياتهم مهما كانت جاذبيتها ويجب ألا ننكر أن البكار كان يمتلك صوتا قويا وأن صوت المطرب السورى فهد بلان كان امتدادا له.
الفيلم يشير أيضا إلى محاولات المخرجين فى تلك السنوات للخروج من الديكورات المتكررة للبيوت والحانات, فأغلب أحداث الفيلم تدور فى الغابات، رغم ان الكثير من صور الحيوانات والطبيعة مأخوذة من أفلام أجنبية، هناك اشارات فى الحوار أن نادوجا بالفعل هى طرزانة، ورغم ذلك نراها تمتلك القدرات الخارقة، لكنها لم تستخدمها فى فيلم يصنف مغامرات، كل ما فعلته ان وقعت فى غرام قريبها مراد، وعادت معه إلى القاهرة، أما الترقب الذى اضافه الفيلم فيتمثل فى أن واحدا من الورثة أرسل رجاله وراء البعثة لمعرفة أخبار البحث عن نادوجا، ولما تم العثور عليها اختطفتها العصابة لبعض الوقت حتى ينطق القاضى بالحكم، لكن مراد وصديقه الذى جسده اسماعيل يس أطلقا سراحها فى الوقت المناسب.
كما أشرنا فان السينما حاولت هنا الخروج من الاماكن التقليدية وذهبت إلى منابع النيل، ما يجب أن نتعلمه من هذا الدرس أن السينما المصرية كانت فى سنواتها الأولى تسعى للخروج عن الحدود المحلية، على الأقل بالنسبة للمكان، وليس هذا الفيلم وحده، ففى الأفلام الأولى هناك قصص كثيرة عن العلاقات مع ابناء الجنسيات الأخرى، ومنها فيلم «قبلة فى الصحراء» للأخوين لاما، ثم فيلم «أولاد الذوات» لمحمد كريم، و«ياقوت» الذى تحدثنا عنه فى مقال سابق. وفى تلك الفترة عمل توجو مزراحى فى العديد من الأفلام اليونانية المأخوذة عن افلامه المصرية، وايضا عملت عزيزة أمير فى السينما التركية، وفى نهاية الأربعينيات قدم صلاح أبوسيف فيلمه «الصقر»، فى تجربة لا نعرف عنها الكثير حيث كان يتم عمل فيلمين منفصين، الأول ناطق بالايطالية، والثانى بالعربية مثلما حدث فى فيلم «معركة الحياة» من بطولة واخراج حسين صدقى».