ترامب.. وحرق الخرائط! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 4:05 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ترامب.. وحرق الخرائط!

نشر فى : الجمعة 8 نوفمبر 2024 - 6:55 م | آخر تحديث : الجمعة 8 نوفمبر 2024 - 6:55 م


فى السادس عشر من أغسطس الماضى أثار دونالد ترامب جدلا كبيرا، عندما قال خلال لقاء مع الجالية اليهودية فى الولايات المتحدة: «هل هناك طريقة للحصول على المزيد من الأراضى لإسرائيل، لأنها صغيرة على الخريطة بالمقارنة مع الدول الأخرى فى الشرق الأوسط؟».
وفى السادس من نوفمبر الجارى، قال ترامب فى خطاب النصر الذى ألقاه أمام أنصاره، بعد حسمه معركة الانتخابات الرئاسية ضد منافسته كامالا هاريس: «لن أبدأ الحروب، سأنهيها، ولن يكون من الضرورى استخدامها.. دعونا نأمل أنه لن تكون هناك حروب».
التدقيق الشديد والمعمق فى هذين التصريحين يكشف لنا بوضوح عن رؤية ترامب لأهم القضايا المصيرية فى المنطقة، ونعنى بذلك قضية الصراع العربى الإسرائيلى، وأخطر ما فى هذه الرؤية أن الرجل العائد لمنصبه كرئيس لأقوى دولة فى العالم، لن يتقيد بالحدود والحقوق وقرارات الشرعية الدولية والخرائط التاريخية حال تدخله لوقف الحرب، لكنه سيعمل على تجاوزها بل وحرقها - إن أمكن - من أجل إرضاء الكيان الصهيونى، ومنحه الفرصة كاملة لفرض السيطرة التامة والمطلقة على المنطقة.
فى ولايته الأولى قدم ترامب «هدايا تاريخية» مجانية للدولة العبرية، واتخذ مواقف منحازة وتبنى سياسات لم يسبق لأى رئيس أمريكى سواء كان جمهوريا أو ديمقراطيا أن أقدم عليها، حيث اعترف بالقدس عاصمة للكيان الصهيونى ونقل سفارة الولايات المتحدة إلى هناك، واعترف كذلك بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة منذ عام 1967 كما أنه رعى ما يسمى بـ«اتفاق أبراهام» الذى دفع دولا عربية إلى ركوب قطار التطبيع مع إسرائيل.
أما ولايته الثانية، فتبدأ على وقع حرب تدميرية طاحنة، يشنها جيش الاحتلال الصهيونى ضد الفلسطينيين فى قطاع غزة منذ شهر أكتوبر من العام الماضى، سقط خلالها أكثر من ٤٤ ألف شهيد، وما يزيد عن ١٠٨ آلاف من الجرحى، فضلا عن تدمير معظم المنازل والبنية التحتية فى القطاع، ما جعل الحياة فيه شبه مستحيلة، كما أن هذه الحرب التدميرية المدعومة أمريكيا، لم تتوقف عند حدود غزة، بل امتدت إلى لبنان وتوسعت بشكل كبير منذ سبتمبر الماضى، وسقط فيها أيضا آلاف الشهداء والجرحى، فضلا عن تدمير أكثر من ٢٥٪ من قرى الجنوب اللبنانى، بالإضافة إلى تهجير نحو مليون لبنانى من منازلهم.
خلال حملته الانتخابية، تفاخر ترامب بقدرته على تحقيق الاستقرار فى المنطقة، وقال فى أكثر من مرة إنه «خلال ولايته الأولى كان هناك سلام فى الشرق الأوسط، وسوف ننعم بالسلام مرة أخرى قريبا جدا.. سأصلح المشاكل التى تسببت فيها هاريس وجو بايدن»، وأضاف: «أريد أن أرى الشرق الأوسط يعود إلى السلام الحقيقى.. السلام الدائم.. وسننجز ذلك بشكل صحيح حتى لا يتكرر كل 5 أو 10 سنوات»، متعهدا أيضا بأنه «سيقدم لإسرائيل الدعم الذى تحتاج إليه للانتصار، لكننى أريدهم أن ينتصروا بسرعة!!».
من الوارد جدا تدخل ترامب لوضع حد لحرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة ولبنان، وعدم الانخراط بشكل كبير فى الصراع العسكرى بالإقليم، مثلما فعلت إدارة سلفه جو بايدن خلال العام الماضى، لكن كيف سيكون شكل ذلك التدخل وبأى ثمن؟.. ذلك هو السؤال الذى ينبغى على الجميع فى هذه المنطقة الاستعداد للتعامل مع تداعياته السلبية المحتملة، والتحديات التى سيفرضها على واقعهم.
أغلب الظن أن الرئيس الأمريكى المنتخب، والقادم من دوائر المال والأعمال والتجارة والمقاولات، والبارع فى تنفيذ «الصفقات السريعة»، وغير المكترث بالقرارات الدولية والحقوق التاريخية للشعوب العربية، سيحاول جاهدا إعادة إحياء ما أسماه فى ولايته الأولى «صفقة القرن»، التى تنتصر للمحتل الصهيونى، وتبارك سرقته للأرض والمقدسات فى فلسطين المحتلة، وتفرض على الدول العربية التطبيع المجانى مع دولة الاحتلال حتى من دون حصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة.
إعادة إحياء مثل تلك الصفقة أو طرح أى صيغة مشابهة لها فى المستقبل، لن يكتب لها النجاح، طالما تفتئت على الحقوق الشرعية والتاريخية للشعب الفلسطينى، ولن تعدو عن كونها محاولة فاشلة لتجميل وجه الاحتلال الصهيونى القبيح، ومنحه انتصارا سياسيا لم يستطع الحصول عليه بقوة السلاح، رغم جرائم القتل والتجويع والإبادة الجماعية والتهجير التى ارتكبها على مدى ثلاثة عشر شهرا فى مختلف الساحات العربية، وبالتالى لا يمكن التعويل عليها لإخماد نيران الحرب الدائرة حاليا، بل ستكون عاملا مساعدا فى إشعال المزيد من الحرائق فى المنطقة.

 

التعليقات