استفاقات ما بين بين.. أم أحلام الاغتراب - خولة مطر - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 3:44 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استفاقات ما بين بين.. أم أحلام الاغتراب

نشر فى : الأحد 10 أكتوبر 2021 - 8:05 م | آخر تحديث : الأحد 10 أكتوبر 2021 - 8:05 م
تحمل اغترابك بباطن قلبك وترنو به وبنفسك.. تحلق أحيانا فى عوالم هى تبقى أحلام يقظة أو على العكس استفاقات ما بين بين... بين جرعة من الواقع وأخرى وكلاهما باردتان حتى الجليد.. فى لحظة بحثك عن الدفء الذى كان هو الوطن تهت ما بين بين فلا أنت قادر على صقيع الوطن ولا لا مبالاة المدن البعيدة.
***
.. هو الاغتراب الأبدى يقول صديقى الذى غادر وطنه بعد أن تلامس مع الموت فى إحدى زنازينهم.. من هم؟؟ لا تسألوا عن مكان الزنزانة فهى تتشابه وتتنوع وتلتقى كلها رغم بعد المدن والمسافات واختلاف الأوطان والأنظمة!! آه كم تتشابه السجون حتى تلك التى لا أسوار لها، وحتى منها المزينة بمبانٍ حديثة ويديرها رجال بربطات عنق أو بشماغ أو حتى نساء بفساتين فاخرة.. كلها سجون والعامل الذى يجمع بينها هو اغتراب بعضنا فيها حتى لو كانت هى مسقط رأسه وخزانة ذكريات طفولته.
***
تقول له «ابحث عن زاوية أستطيع أن أستقر بها آخر سنين عمرى حتى لو كانت من خرم إبرة»... يضحك هو كعادته وسخريته المعتادة فيقول لها نحن مصابون بداء الاغتراب المزمن أو الأبدى.. اغتراب فى أوطاننا واغتراب فى غربتنا حيث بعدنا بحثا عن مساحة لا تنتهك آدميتنا وإنسانيتنا بشكل يومى.
***
ولكننا قادرون أن نصنع مساحات لنا أو لمن يشبهنا «أليس كذلك؟؟» ينقطع الاتصال رغم أنه لم يكن صوتى بل عبر الرسائل النصية. ربما انشغل هو بأمر عارض وهى الأخرى التهت بتفاصيل الأيام المغمسة بالتوجس.. فجأة تصلها وصلة لمؤتمر فى بلدها الذى كان، تصاب ببعض الحماس لأنهم يكرمون النساء وهو أمر ليس عاديا فى أوطان لا تحترم المرأة ولا تمنحها المناصب إلا لمن هم من لون واحد أو من يتلونون بلون الآمر والحاكم وما يحب.
***
هذا مؤتمر آخر لنساء ربما يشبهوننا أو كن كذلك فقد تتابعت الصور الصادمة. ما الذى حدث بنا؟؟ ما الذى أصابنا فى قناعاتنا ومبادئنا وقيمنا؟؟ ما الذى نسف ما ناضلنا من أجله ودافعنا عنه بكثير من التعب ولن أقول الدم لأن فى مثل هذه العبارة كثيرا من العنف الذى يلون أيامنا.
***
لا تتمالكين نفسك من طرح السؤال بل الأسئلة وتتذكرين ذاك العنوان لصديق وأستاذ كان ولا يزال يستحق لقب المعلم. الدكتور جلال أمين طرح أسئلته فى كتب، هى ذاتها التى كان يكررها عند لقاءات جمعتنا على مركب صغير لصديقتنا المشتركة فى مساءات النيل الساحر. كيف يحتدم النقاش حول ما أصابنا جميعا من شعوب وقوميات ونحن فى حضن النيل والشمس تبتعد كثيرا لتترك مساحات لقمر القاهرة الذى لا يشبهه أى قمر.. نقاش «نكد» فى أجواء ساحرة.. هكذا هى أوطاننا أو هكذا كانت مليئة بالمتناقضات الجميلة التى صارت من فعل الماضى البعيد رغم قربه.
***
عاد هو إلى هاتفه ليصاب بالذهول من هول الصورة وما حدث لنسائنا من مراكش للبحرين ولم يستطع أن يتفوه أو يكتب سوى «القادم أسوأ يا صديقتى العزيزة» القادم أسوأ كان جوابها هى أيضا، صديقة أخرى فى مدينة أخرى أو وطن آخر لم تعد هى أو حتى أخريات يشبهونها يتعرفن عليه من شدة ما بعد هو عن ما كان..!!
***
وكأنه كتب عليها فى ذاك اليوم تحديدا أن تتلقى الرسائل التى توقظ بداخلها مساحات الاغتراب التى تعمل جاهدة أن لا تنغمس فى حوار مع نفسها حولها!! أرسلت لها رسالة صوتية قالت فيها «أحببت أن أشاركك هذه العبارة من رواية أمين معلوف والتى قرأتها فاعتصر قلبى» وختمت ارحل اليوم وحتى نلتقى فى القريب.. ونقلت العبارة كاملة وهى
«متى تعرف أنك تائه؟
عندما تقف فى بلادك، وعيناك ترنو إلى بلاد أخرى،
عندما تقف فى بلاد لم تنشأ فيها، وعيناك ترنو إلى بلادك..
وعيناك على مستقبل تراه مستحيلا، عندما تبقى فى بلادك،
وعيناك على ماض لن يعود أبدا».
تكمل بصوتها الرقيق «خلى بالك من نفسك وما تخاطرين كثير.. قلبى معك دوما وابقى بخير».
***
ترحل هى أو تنتهى أنت من سماع رسالتها الصوتية فتزدحم الأسئلة برأس أتعبته الأيام والإصابات المتلاحقة والأوجاع المنثورة بين مدينة ومدينة..
تعود من جديد لفنجان قهوتك واغترابك حتى وأنت فى وطنك!!
خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات