تستعد اللجنة العليا للانتخابات هذه الأيام لإعلان تفاصيل انتخابات مجلس النواب المنتظرة، وخاصة موعد فتح باب الترشح المتوقع له مطلع سبتمبر المقبل، وبما يدخلنا عمليا فى إنجاز الاستحقاق الثالث من خارطة المستقبل التى أعلنت عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى فى 3 يوليو 2013، وهو ما يضعنا أيضا على أول الطريق لاستعادة سلطة التشريع الطبيعية التى يجسدها نواب منتخبون من الشعب صاحب السلطة الحقيقية فى اتخاذ القرار.
الخطوة التى نتطلع إلى إنجازها لتضع حدا لمساحة اللغط والانتقاد، وخاصة فى الخارج، تلقى على القوى السياسية مسئولية كبيرة باعتبارها اللاعب الأهم فى العملية الانتخابية، إذا كنا جادين فى امتلاك برلمان يمثل جميع أطياف الشعب المصرى، ويكون أعضاؤه قادرين على تحمل تبعات ما ينتظرهم من مهام وتحديات فرضها غياب البرلمان لفترة ليست بالقليلة، وما يحتمه الدستور من إعادة النظر فى مئات القوانين التى تتعارض مع بنوده.
دعونا نكون صادقين مع أنفسنا، فما شاهدناه وتابعناه من تصرفات للقوى والأحزاب السياسية خلال الفترة التى أعقبت ثورة 30 يونيو، لا يعطينا الثقة الكاملة فى قدرتها على تحقيق ما نصبو إليه وما نأمله على صعيد تشكيلة مجلس النواب القادم.
رغم اعترافنا بما أحدثته سنوات حكم مبارك الطويلة من تشويه للأحزاب السياسية، وتضييق الخناق على حركتها، وبما أضعفها فى الشارع المصرى، إلا أن الأحزاب القديم منها، وتلك التى تشكلت عقب ثورة 25 يناير، تظل دون المستوى، وأقل قدرة على تحقيق المأمول منها فى الحياة السياسية، خاصة على صعيد الوصول إلى الناس فى الشوارع والحارات، فى الحضر والريف، فى المدن والمناطق النائية، رغم حصول تلك الأحزاب والقوى السياسية على الفرصة تلو الأخرى.
لا نريد من القوى السياسية والأحزاب أن تظل تراوح مكانها، تعيد الاسطوانة نفسها عن قلة الإمكانيات، وعزوف الناس عن الانخراط فى صفوفها، فيما لا تسعى هى إلى فعل مثمر على أرض الواقع، فلو أن ثلاثة أو أربعة أحزاب اختارت الطريق الصعب، وعمدت إلى الالتحام مع الناس بإمكانياتها المحدودة، عبر تبنى عدد من القضايا الخدمية البسيطة التى يلمسها رجل الشارع، لأحدثنا نقلة نوعية فى النظر إلى العمل السياسى بشكل عام، ودور الأحزاب بشكل خاص.
الشارع المصرى مفتوح على اتساعه أمام الحركة والعمل الذى ينتج حلا للمشاكل المزمنة، وهو ينتظر من يتقدم رافعا راية الصدق والإخلاص فى تبنى قضايا الناس، بدلا من الصراع داخل المقرات الضيقة للأحزاب على مقاعد ليست وثيرة ولا يحزنون، والتناحر على مناصب محض أوهام إذا لم تكن موظفة للخدمة العامة.
العمل الوطنى ينتظر من الجميع الإسهام بجهد يحدث تغييرا يساعدنا على تقليل حجم ما فاتنا، ويمكن مصر من استعادة جزء من مكانتها التى تآكلت بفعل تصلب شرايين السياسة فى قمتها لعشرات السنوات، وهو ما يتطلب من القوى السياسية والأحزاب التخلى عن بعض الممارسات الخاطئة التى تعتمد المناورة لتحقيق فتات المصالح أكثر مما تقدمه من فعل للتأثير على الجماهير.
نريد أن يتخلص محترفو السياسة عن بعض المصالح الضيقة، فنخرج من حارة بناء التحالفات والائتلافات التى لا تصمد سوى سويعات، وأن نعطى للعملية السياسية مقدار ما يليق بها من اهتمام، ونظرة واعية تضع فى الحسبان ما ينتظر البرلمان القادم من تحديات.