لا عزاء للكتب - خولة مطر - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 3:32 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا عزاء للكتب

نشر فى : الأحد 11 ديسمبر 2022 - 7:50 م | آخر تحديث : الأحد 11 ديسمبر 2022 - 7:50 م
إن تكتب تعزية فى فقدان قريب أو صديق أو حبيب فهو أمر صعب بل قاس جدا وهو الأمر الذى كثر وقوعه مؤخرا حتى جف الدمع فى العيون والأحبة يصطفون طوابير طويلة محلقة إلى ما بعد السماء.. وإن تتعود على الفقدان فهو الآخر شىء من المستحيل رغم أن كثيرين يسلون النفس بأن من رحلوا هم فى مكان أفضل وأن أرواحهم لا تزال معنا وبيننا تمر أطياف من نحب بين الفينة والأخرى حتى يبدو أننا نسمعهم ينادون علينا أو يضحكون كما اعتدناهم.. ثم ما نلبث وأن نفيق من ما بين النوم والاستفاقة أو هو ربما أحلام الأيام الصعبة.
• • •
تعزيتنا ليست لرفاق الدرب أو الحياة. ولكن هناك غصة وحزن عميق عندما تموت المكتبات كما ساد الإحساس عندما أعلنت مكتبة الساقى فى لندن عن النية فى الإغلاق بعد أكثر من أربعة عقود. هى قصة موت أخرى لكتاب بل كتب وبيوت تلك الكتب أى المكتبات ودور النشر العريقة التى كانت تميز بعض عواصمنا العربية عندما كان ما يميز المدن هو كم المكتبات وعدد الكتب المطبوعة وعدد المسارح ودور السينما والفرق الموسيقية والمعارض الفنية فيما تقلصت هذه المساحات ليزحف الاسمنت والمراكز التجارية والمطاعم الفاخرة وكثير من البوتيكات بتسميات مختلفة!
• • •
دار الساقى التى كانت كالمزار للزائر العربى تعلن إغلاق أبوابها هى الأخرى بعد أن صمدت لفترة ليست بالبسيطة وسط عواصف من موجات الماديات والحسيات من الأمور والأشياء.. وفى إغلاق الساقى لأبوابها فى منطقة البايزووتر نهاية لحقبة كانت لندن فيها تمثل قبلة ليس فقط لعشاق الكتب والمراجع بل وأيضا مكان للقاء الشعراء والمثقفين من مختلف الدول العربية القادمين من عواصمهم التى تفتش بين أمتعتهم على الحرف والفاصلة والكلمة أكثر من بحث رجال أمنها عن المواد المخدرة والممنوعات الأخرى، وآخرين آثروا الرحيل عندما ضاقت مساحة التعبير فى أوطانهم ولم يعد أمامهم سوى الاختيار بين البقاء والموت ببطء خوفا من مشرط الرقيب أو حتى قتل الإبداع والكلمة والخيار الآخر هو البحث عن مدينة بسماء عالية حيث لا حدود مرسومة ولا خرائط!
• • •
بعد أن أغلقت الحرب الأهلية اللبنانية أبواب بيروت للباحثين عن كتاب أو جريدة أو مساحة للحوار كانت دار الساقى هى الملاذ والملجأ حيث وقفت الراحلة مى غصوب وسلوى جاسبار وأندريه أمام تحد نقل أجمل ما كانت تمثله بيروت إلى لندن وهكذا كان.. كنا نرمى بحقائبنا فى غرفة الفندق أو غرفتنا فى تلك الشقة عند مدخل البايزووتر ونمشى باتجاه كوينزواى بل نجرى لنسرق اللحظات ونصل عند آخر الشارع فننعطف يسارا وندخل لتستقبلنا مى غصوب وهى منغمسة بين كثير من الكتب أو جالسة مع بعض الكتاب والشعراء تتباحث فى إصدارات قادمة أو ندوات أو فكرة أطلقت حديثا.. مع الوقت عرفتنا مى بأسمائنا وتحولت علاقتنا بها ليست بعلاقة قارئ وكتاب وصاحبة مكتبة بل غمستها مى بكثير من دفئها وحميميتها وترحيبها كلما عدنا للندن وتجولها بين أرفف الكتب تأتى بآخر الإصدارات التى تعرف أنها من اهتمامات كل قارئ مستدام عندها..
• • •
بين مى غصوب ودارها أى الساقى وبين القراء القادمين من دولنا وخاصة من بلدان الخليج حيث كثير من الكتب ممنوع ممنوع، علاقة تشبه ذاك الود القائم بين قارئ وكاتب أو بين حرف وحرف وكلمة وأخرى..
• • •
بعد دار الساقى ارتحل الصديق والأستاذ رياض الريس ليفتتح الكشكول فى نايتسبريدج حيث كان هو الآخر ملاصقا لكتبه ومكتبته يعتنى بكل كتاب ويرسم الأغلفة بجمال روحه. هو الآخر كان يحلق حوله الكتاب والشعراء والنقاد الذين اعتادوا صراحته وسخريته اللاذعة. رياض حمل كتبه وأوصد باب كشكوله وعاد إلى بيروت مدينته وعشقه مع إيقاف أول طلقة رصاص وصمت المدافع والقذائف. هو المؤمن بأن بيروت ستبقى دوما عاصمة للفكر والثقافة والحرية عاد قبل الكثيرين. حتى الساقى فتحت أبوابها فى لبنان وهو يتعافى تدريجيا من جراح حرب الإخوة قبل الأعداء، ولكن بقيت دار الساقى مسترخية فى تلك الزاوية بـ البايزووتر تنثر الفكر وتروج للإبداع دون حدود للدين أو خوف من العادات والتقاليد والفكر المتطرف حتى القتل!
لا عزاء للمكتبات.. لا عزاء للكتب ولا عزاء لـ دار الساقى
خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات