المعارك تنبهنا لحقيقة الحرب المحيطة بنا - معتمر أمين - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 3:07 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المعارك تنبهنا لحقيقة الحرب المحيطة بنا

نشر فى : الإثنين 12 أغسطس 2024 - 6:15 م | آخر تحديث : الإثنين 12 أغسطس 2024 - 6:15 م

إليكم رأس جبل الجليد الذى ينبهنا لطبيعة الحرب الدائرة من حولنا. صوت البرلمان الإسرائيلى يوم 18 يوليو الماضى بالموافقة على قرار يرفض إقامة «أى» دولة فلسطينية فى غرب نهر الأردن وحتى البحر المتوسط، واعتبرها «خطرا وجوديا على دولة إسرائيل ومواطنيها»، وبذلك تعقد مسار حل الدولتين، وزادت متاعب دول المنطقة المصممة على أن السلام هو الخيار الاستراتيجى الأفضل للتعامل مع القضية الفلسطينية. فماذا بعد؟
صرح وزير المالية الإسرائيلى، بتسلئيل سموتريتش، يوم 5 أغسطس الحالى مؤكدا أن خطة إسرائيل لم تتغير منذ بداية الحرب وحتى الآن، حيث قال: «لن يسمح لنا أحد بالتسبب فى موت مليونى مدنى من الجوع، حتى لو كان ذلك عادلا وأخلاقيا، حتى تتم إعادة رهائننا». تخيل؟ وأضاف أن الحل الطموح من وجهة نظره هو الاستيلاء على أراضى الشعب الفلسطينى أو كما قال: «حيث لا يوجد استيطان، لا يوجد أمن». وبالتالى مادامت الحكومة اليمينية المتطرفة فى السلطة، فسوف يستمر الهدف الرئيسى هو تهجير الفلسطينيين والفلسطينيات من فلسطين لتصفية القضية. ولحين تحقيق ذلك، نتابع المناظرة التى عقدتها القناة 12 الإسرائيلية الشهيرة يوم 7 أغسطس حول جريمة الاغتصاب فى معتقل سدى تيمان بصحراء النقب، بعد اقتحام المعتقل من قبل متظاهرى اليمين المتطرف للدفاع عن الجنود الذين قاموا بجريمة الاغتصاب، حيث دار النقاش حول تأييد أو رفض سياسة الاغتصاب المؤسسى لمعتقلى المقاومة الفلسطينية. وبذلك يتأكد عدم اكتراث إسرائيل بأى قانون دولى أو إنسانى. لكن ماذا بعد؟
• • •
تتجلى هذه المآسى الجسيمة يوميا أمام أعين شعوب المنطقة، وتلهب مشاعر الناس الآملين فى القصاص من إسرائيل على ما ترتكبه من جرائم يوميا، وفى نفس الوقت تزيد من مشاعر الحيرة لديهم عن السبيل لعمل ذلك. وفى هذه الأجواء، أى قوة فى المنطقة أو من خارجها مثل جنوب أفريقيا ترفع شعار النصرة لفلسطين، وتحقيق العدل لأهلها ستجد مساحة واسعة فى قلوب الناس، حتى لو كانت تلك القوة تلعب بورقة فلسطين لتحقيق مصالح ذاتية لا تنفع الشعب الفلسطينى. ولو وجدت الشعوب أن هذه القوى من داخل دول المنطقة لانحازت تلقائيا لتلك الدول. وهذا ما يفسر انتظار الناس لجهود إيران فى مواجهة إسرائيل، حتى لو كانت إيران خصوصا ومحور المقاومة عموما يحقان مصالح لأنفسهما على حساب فلسطين. ويعزز هذا التفسير اختيار حركة حماس ليحيى السنوار رئيسا لمكتبها السياسى خلفا لإسماعيل هنية. فالسنوار أقرب لإيران والتشدد، وأبعد عن قطر والدبلوماسية. ولكن ماذا بعد؟
توجد مدارس فى تحليل أى موقف سياسى، منها ما ينظر من أعلى لأسفل، بمعنى سرد مواقف القوى الكبرى المؤثرة، ثم التحليل على مستوى قوى الإقليم، ثم الوصول للمستوى الداخلى لفهم ما يحدث. ومنها ما يبدأ بالعكس، ويضع المستوى الميدانى الداخلى فى فلسطين على أنه الأهم، ثم يتجه لأعلى حتى مواقف القوى الكبرى المؤثرة. لكن يختلف الموقف الحالى من حيث موقع القيادة، فإسرائيل هى التى تقود الولايات المتحدة، وتجرجرها إلى توسيع نطاق المواجهة، وتتمنى مثل السنوار أن تنشب الحرب الإقليمية، لأن ذلك من وجهة نظر حكومة نتنياهو يغفر لها أمام شعبها مذلة هجمات 7 أكتوبر، بينما بالنسبة للسنوار أى توسيع للحرب قد يسفر عن تشتيت جهود إسرائيل ويخفف الوطأة على الفلسطينيين والفلسطينيات. وتعتمد هذه الحسابات حول طبيعة الحرب الإقليمية التى قد تنشب فى أى لحظة. فلو كانت حربا مفتوحة بين حزب الله وإسرائيل، فإن الوضع المأسوى فى غزة سيتكرر فى لبنان، مع الفارق بأن الضرر فى إسرائيل سيتضاعف. ولو كانت هذه الحرب بين الحوثيين فى اليمن وإسرائيل فإن الوطأة ستكون أخف على اليمن وأشد على إسرائيل لو امتلك الحوثيون منظومة تصل بهم لقلب إسرائيل كما فعلوا فى هجوم المسيرات يوم 19 يوليو الماضى. لكن ماذا بعد؟
تعدد الجبهات أمام إسرائيل يوسع دائرة الحرب الإقليمية، ويضمن دورا فعالا لتحالف من المنطقة تقوده الولايات المتحدة للدفاع عن إسرائيل ضد إيران ووكلائها المحليين. ولقد أعلنت مصر يوم 5 أغسطس عدم دخولها فى هذا التحالف، مما أثار حفيظة إسرائيل، ولكن الأخيرة لا تملك الآن استفزاز مصر بأكثر مما فعلته بالفعل فى محور صلاح الدين، ومعبر رفح. ومن ثم، المعارك المرتقبة فى المشرق العربى ستحدد طبيعة الحرب. هل ستكون حربا دفاعية، بمعنى أن تحمى كل دولة سماءها وتمنع مرور الصواريخ والمسيرات أيا كان مصدرها؟ ولكن ماذا سيحدث لو وقع ضحايا مدنيين لا علاقة لهم أو لدولهم بالحرب؟ هذه الحسابات الخاطئة هى التى عادة تتسبب فى اندلاع الحروب، وتزيد من اشتعال الموقف. ولنأخذ بالاعتبار أن الحوثيين هددوا السعودية بالفعل باستهدافها، وأن إيران توعدت أى دول تفتح سماءها لهجمات تنال إيران بأنها سترد على تلك الدولة. ولكن هل بوسع دول مثل الأردن أن تقف موقف المتفرج وسماؤها مستباحة من كل جانب؟
اتصالا بذلك، تعتبر أخطر المواجهات التى جرت بالفعل هو الاستهداف المتبادل بين فصائل عراقية ضد القوات الأمريكية فى قاعدة عين الأسد فى غرب العراق والذى سقط على إثره سبعة جنود من القوات الأمريكية، واستهداف الولايات المتحدة المضاد لقادة ميليشيا عراقية ما أدى لمقتلهم بالإضافة لمقتل قائد عسكرى من ميليشيا الحوثى بضربة جوية فى منطقة «جرف الصخر»، جنوبى بغداد. وتجدر الإشارة فى هذا السياق إلى أن هجمات العشائر العربية فى سوريا تتزايد فى منطقة دير الزور الواقعة تحت السيطرة الأمريكية، مما دفع القوات الأمريكية بتكثيف تواجدها فى تلك المنطقة وبطول الحدود السورية العراقية. وكلما زادت أنشطة هذه الفصائل توسعت رقعة المواجهات. ولكن ماذا بعد؟
• • •
بينما ينتظر الجميع ما سيسفر عنه التصعيد بين إسرائيل التى تقود الولايات المتحدة لتوسيع الحرب الإقليمية، وبين إيران التى تقود محور المقاومة فى ذات الحرب، فإن هذه المعارك توضح طبيعة الحرب التى تجر إليها المنطقة جرا، فنحن أمام حرب مزمنة، لن تنتهى فى أى وقت قريب بالضربة الحاسمة، بل هى حرب تسجيل النقاط التى كلما تفوق فيها طرف، حاول الطرف الآخر اللحاق به، فى سلسلة مزمنة من اللانصر واللاهزيمة، حتى تتجمع نقاط كافية لطرف ما، أو لكلا الطرفين لكى يشعر بأن الوقت قد حان لتتوقف المواجهات. وعادة هذا النوع من الحروب لا يحسم فى أى مدى زمنى قصير، بل هو النسخة الشرق أوسطية من حرب روسيا وأوكرانيا، أخذا بالاعتبار، أن رقعة المواجهة التى تبدو محصورة فى المشرق العربى، تشتعل فى المغرب العربى بطول المسافة من الصومال وحتى المغرب.

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات