بعد نفى وزير الشئون القانونية ومجلس النواب المستشار مجدى العجاتى، الحديث عن تعديل قانون التظاهر فى الوقت الراهن، فجأة دبت الحياة فى الفكرة، وخرج المستشار العجاتى نفسه مبشرا بإعادة النظر فى القانون الذى جرى إلقاء القبض على العديد من النشطاء السياسيين بسببه، ومن بينهم متظاهرى «جمعة الأرض» و25 أبريل، البعض جرى إطلاق سراحهم وآخرون تمت محاكمتهم، وحصلوا على أحكام بالسجن.
منذ اليوم الأول لصدور القانون فى عهد رئاسة المستشار عدلى منصور للبلاد خلال الفترة التى أعقبت 30 يونيو 2013 وحتى انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى، شهد هذا القانون هجوما ضاريا ورفضا عنيفا من العديد من القوى السياسية والأحزاب، حتى بات قانونا سيئ السمعة جلب على مصر انتقادت خارجية لا يمكن تجاهلها فى أكثر من محطة، وفتح بابا لجدل وصل إلى مطالبة أصوات محسوبة على الحكومة بتغييره.
القانون بما حواه من مواد للحبس، وجواز فض التظاهرات باستخدام الخرطوش فى بعض مراحله، انطوى على التفتيش فى نوايا المتظاهرين، فحسب المادة العاشرة «يجوز لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص فى حالة حصول جهات الأمن ــ وقبل بدء الاجتماع أو الموكب أو المظاهرة ــ على معلومات جدية عن انصراف نية المنظمين أو المشاركين فيها إلى ارتكاب أى من المخالفات المنصوص عليها فى المادة السابعة (الإخلال بالأمن العام) أو أى جريمة أخرى ــ منع الاجتماع أو الموكب أو المظاهرة ــ وللمتضرر اللجوء إلى قاضى الأمور الوقتية، ويصدر القاضى أمره مسببا على وجه السرعة».
اليوم ونحن نفتح ثغرة بإعادة النظر فى قانون معيب لم يخضع للحوار المجتمعى الذى يستحقه وقت إصداره، وفى ظل ما يتردد عن حذف مواد تضيق الفرصة على التعبير السلمى عن رفض القرارات الحكومية من خلال أداة التظاهر، نتمنى ألا تكون التعديلات شكلية ولا تمس الجوهر، وأن ندخل فى صلب القضية، بحذف كل مادة تشكل قيدا حديديا على حرية التجمع والتظاهر السلمى للتعبير عن الرأى فى إطار من القانون، وأن يكون دور أجهزة الأمن حماية المتظاهرين لا منعهم طالما التزموا بهذا القانون.
نريد قانونا يتبنى فعلا حق المواطن «فى تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية والانضمام إليها» باعتبارها شكلا من أشكال التعبير عن الرأى، وأن ندرك أن التظاهر السلمى يضفى حيوية على المجتمعات، كونه كاشفا لتوجهات الرأى العام، ومرشدا لما يدور فى القطاعات المختلفة فى المجتمع من أفكار ورؤى، تجاه ما يقع من أحداث، أو ما يتخذ من قرارات إدارية ربما تشكل جورا على حقوق فئة من الناس.
وحتى نكون منصفين فإن ما تضمنه القانون الحالى من تنظيم للحق فى التظاهر من مواد ليست جميعها سيئة، وبالتالى فإن الغرض هو مراجعة ما اشتمل عليه من مواد كانت سببا فى رفضه من قطاعات واسعة وخاصة الشبابية منها، فخرج بعضها بحماس من هذه المرحلة العمرية ضد هذا القانون، وبما وضعنا فى مأزق التظاهر بلا ترخيص، ومن ثم صدور أحكام بالسجن ضد عدد من المتظاهرين، رغم أن أيا منهم لم يرتكب فعلا من الأفعال التى نصت عليها المادة السابعة التى تحدثت عن التخريب أو الاعتداء على المنشآت العامة والخاصة، أو تعريض أرواح الناس للخطر.
دعونا نرحب بالاجراءات التى يتم اتخاذها لتعديل قانون التظاهر، وأن نصل إلى قانون جديد لا يتضمن حبسا، أو تضييقا على المتظاهرين السلميين، إذا كنا ننشد حقا بناء دولة مدنية حديثة، تعلى من قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفى مقدمتها الحق فى التظاهر.