حال العرب تنمويًا.. حسابات الإخفاق والنجاح‬ - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 14 يونيو 2025 8:59 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما توقعاتك لمعارك إسرائيل مع إيران؟

حال العرب تنمويًا.. حسابات الإخفاق والنجاح‬

نشر فى : الجمعة 13 يونيو 2025 - 8:25 م | آخر تحديث : الجمعة 13 يونيو 2025 - 8:25 م

لماذا أخفقت الجزائر وليبيا والعراق، وهى دول تتمتع بموارد كبيرة من النفط والغاز الطبيعى، فيما نجحت فى تحقيقه دول الخليج التى صار ما وصلت إليه من معدلات التنمية البشرية والمستدامة بها هو الأعلى فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟ لماذا، وعلى عكس نظيراتها من مصدرى النفط فى الخليج، فشلت الجزائر وليبيا والعراق فى مراكمة الثروة وتطوير مؤسساتها وقدراتها البيروقراطية وتحسين أداء الحوكمة وتقديم خدمات اجتماعية واقتصادية متكاملة لمواطنيها؟‬

واجهت الجزائر أزمة سياسية تلو الأخرى منذ الاستقلال فى ستينيات القرن العشرين، واندلعت فى التسعينيات حرب أهلية دموية أدت إلى تراجع حاد فى كافة مؤشرات التنمية المستدامة والحوكمة. بل ولا تزال تبعات هذه الحرب تقوض الجهود الرامية إلى مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية وإطلاق التنافسية فى القطاعات الاقتصادية.‬

أما فى ليبيا، فقد أدت عقود من حكم العقيد معمر القذافى إلى جميع المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مقارنة بمستوياتها قبل وصوله إلى السلطة فى 1969. ومنذ 2011، تواجه ليبيا حالة مستمرة من الحرب الأهلية أو العنف الأهلى والنزاعات المتوترة بين شرق البلاد وغربها. والنتيجة الوحيدة هى غياب شبه كامل للأمن الإنسانى وانهيار فى قدرات المؤسسات العامة والخاصة على توفير سبل الحياة الآمنة والكريمة للمواطنين.‬

أما العراق وعلى الرغم من امتلاكه لاحتياطى نفطى كبير، فتأخر تنمويا كثيرا خلال العقود الماضية. زج صدام بالعراق فى مغامرات عسكرية متكررة، وسباقات تسلح استنزفت موارده وأعاقت تقدمه. وقد دمرت حرب العراق مع إيران (1980 ــ 1988) الاقتصاد العراقى، وتلاها مباشرة غزو الكويت فى 1990 والذى انتهى بهزيمة عسكرية واستنزاف للموارد الاقتصادية والاجتماعية والبشرية إضافة إلى فرض عقوبات قاسية شملت حظرا شبه تام على تصدير النفط وأعاقت كافة محاولات التنمية المستدامة. ثم أدى الغزو الأمريكى للعراق فى 2003 إلى الإطاحة بصدام حسين وحزب البعث من الحكم، غير أنه دمر أيضا الدولة العراقية وفتت البلاد على أسس طائفية ومكن إيران ولسنوات طويلة من السيطرة غير المباشرة على الحياة السياسية على نحو عمق الانقسام الطائفى والفساد. وأخفقت الحكومات المتعاقبة على إدارة شئون العراق منذ 2003 فى تحقيق أى إنجاز يذكر على الصعيدين الاقتصادى والاجتماعى أو فى مجال الحوكمة السياسية.‬

• • •‬

أما دول الخليج فقد أدارت شئونها على نحو آخر. لقد أصبحت دول الخليج نموذجا ناجحا لتطوير نظم حوكمة تتميز بأداء جيد من حيث توفير السلع الاقتصادية لمواطنيها (مثل التوظيف الكامل وارتفاع دخل الأسر)، والسلع الاجتماعية (مثل التعليم والرعاية الصحية)، وخدمات الرعاية المتكاملة (مثل خطط التقاعد وخدمات ذوى الاحتياجات الخاصة). وشملت هذه النتائج الإيجابية للحوكمة غير المواطنين الذين وفدوا الخليج بحثا عن فرص للعمل والترقى. وتجسد حالات الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر والمملكة العربية السعودية هذه الاتجاهات بوضوح. فقد طورت الإمارات العربية المتحدة وقطر عناصر حوكمة متقدمة فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية وفى كل مناحى التنمية المستدامة. كما أن المملكة العربية السعودية، أكبر دولة خليجية وأكثرها كثافة سكانيا، لديها أيضا نموذج حوكمة مشابه غير أنه ظل لعقود من الزمن خاليا من العديد من النتائج الاقتصادية والاجتماعية والتنموية الإيجابية الموجودة فى الإمارات العربية المتحدة وقطر.‬

كان الخوف من التحديث وهيمنة العقيدة المحافظة فى المجتمع وجوانب أخرى من السياسات المتبعة فى المملكة، كانت مجتمعة عوامل أعاقت محاكاة التنمية الإماراتية والقطرية على الأراضى السعودية. وتغير الأمر مع الصعود السياسى لولى العهد الأمير محمد بن سلمان؛ حيث بدأت المملكة العربية السعودية فى التحديث السريع. وقد تجاوزت عمليات التحديث، وهى ترتكز إلى رؤية 2030، الموقف  التقليدى المناهض للانفتاح والرافض لعقود طويلة لدمج النساء فى الحياة العامة وسوق العمل والقطاع الاقتصادى.‬

ونتيجة لذلك تطور وضع المرأة السعودية من غياب شبه كامل عن المجال العام بكل قطاعاته ومناحيه، ومن استبعاد تام من المؤسسات الحكومية إلى اندماج سريع وشامل فى حياة المجتمع وسوق العمل وتحسين حماية النساء قانونيا فيما خص الأحوال الشخصية والشئون الأسرية.‬

• • •‬

نحن، إذا، أمام نموذجين للتعامل مع الثروة والموارد الطبيعية فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. نموذج صارت فى سياقه احتياطيات النفط والغاز الطبيعى نقمة بالمعنى التنموى وبمضامين الحوكمة، ونموذج مكنت فيه ذات الاحتياطيات دولا ومجتمعات من تحقيق التنمية المستدامة وتحسين مستويات معيشة مواطنيها وحماية حقهم فى الحياة الكريمة بخدمات اقتصادية واجتماعية وخدمات رعاية متكاملة. نموذج قدمه العراق إبان حكم صدام حسين وقدمته ليبيا زمن القذافى واختلط فيه الفشل الداخلى بمغامرات متكررة فى السياسة الإقليمية والدولية، ونموذج تقدمه دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة السعودية يتواكب فيه النجاح الداخلى مع سياسة خارجية لا تميل (باستثناءات محدودة) إلى المغامرات.‬

ليست الثروات والموارد الطبيعية بلعنة تنزل بالدول والمجتمعات المتمتعة بها، بل هى، وكما تدلل تجارب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مرادف لأخطار وفرص يتوقف فى سياقاتها مدى احتواء الأولى وإطلاق الثانية على حضور أو غياب رشادة نخب الحكم وقدرتها على مقاومة النزوع إلى المغامرات فى الداخل والخارج وتوظيف الثروة والموارد لبناء مؤسسات ومرافق اقتصادية واجتماعية قادرة على تحقيق التنمية المستدامة.‬

ويسرى ذات الأمر، مع استبعاد عنصر الثروة والموارد الطبيعية، على الأخطار والفرص التى تتعرض لها دول ومجتمعات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليس لها من النفط والغاز الطبيعى الحظ الوفير أو لها من الكثافة السكانية ما يجعل من إمكانات إطلاق التنمية المستدامة استنادا إلى عوائد الثروة والموارد الطبيعية فقط أمرا مستحيلا. هنا، يمكن النظر إلى الإخفاق المتراكم فى سوريا واليمن على سبيل المثال ومقارنته بالتقدم التنموى الحثيث المتحقق فى مصر والمغرب دون أن يعنى ذلك غياب الضائقة المعيشية أو عدم تكرر حدوث الازمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.‬

أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج الشرق الأوسط فى مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى.‬

 

 

 

 

عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي
التعليقات