أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال إفطار الأسرة المصرية فى 26 أبريل الماضى، دعوته لإجراء حوار وطنى شامل لوضع أولويات العمل الوطنى خلال الفترة المقبلة بما فتح بابا أمام الأحزاب والتيارات السياسية، والقوى الفاعلة فى المجتمع للتعبير عن رؤيتها للقضايا والتحديات التى تواجهها مصر فى الوقت الراهن، وفى مقدمتها الأزمة الاقتصادية فى ظل الانعكاسات السلبية لجائحة كورونا والتوسع فى القروض، وما سببته الحرب الروسية الأوكرانية من تداعيات على أسعار الطاقة والغذاء.
ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم تحركت المياه الراكدة فى الحياة السياسية التى مرت بحالة ضمور إن لم يكن تجميدا خلال السنوات الأخيرة، وأهمها فى تقديرى توالى الإفراج عن المحبوسين فى قضايا تتعلق بحرية الرأى والتعبير، فضلا عن تشكيل مجلس أمناء الحوار الوطنى الذى يتولى حاليا الإعداد للحوار الشامل وبما يضم مشاركة جميع الأصوات والتوجهات فى وضع أجندة العمل الوطنى خلال المرحلة المقبلة.
وعقب فترة مشاورات انطلقت الثلاثاء 5 يوليو 2022 أولى جلسات مجلس أمناء الحوار الوطنى، التى اعتبرها ضياء رشوان المنسق العام للمجلس البداية الرسمية لأعمال وفعاليات الحوار الوطنى، ثم توالت الجلسات التى شهدت فى بدايتها حضورا إعلاميا واسعا وبثا مباشرا لوقائعها، لكن سرعان ما توقف البث واكتفى القائمون على الأمر بنشر بيانات تلخص ما دار من مناقشات، واختلافات فى الرؤى ووجهات النظر وسط المتحاورين، الذين أضيف إليهم فى وقت لاحق عدد من مقررى المحاور الرئيسية واللجان النوعية للحوار.
ووسط فتور بعض الأطراف المشاركة فى «الحوار» الدائر حاليا بسبب طول وبطء الخطوات التحضيرية، توقع عدد من أعضاء مجلس أمناء الحوار الوطنى أن تنتهى تلك الخطوات الاجرائية منتصف أكتوبر المقبل بما يمهد الطريق أمام انطلاق الحوار الوطنى رسميا، بعد أن دعا مجلس الأمناء، «الكيانات السياسية والأهلية الفاعلة لإجراء حوارات مجتمعية وجماهيرية فى المحافظات المختلفة لضمان الوصول المتكافئ لكافة فئات المجتمع المصرى».
قد يرى البعض ان الاستغراق الطويل فى الاجراءات التحضيرية ربما يصيب الناس بالملل، خاصة أن الدعوة للحوار جاءت من رحم تحديات عاجلة وآنية تحتاج لوتيرة أسرع فى طرح أولويات العمل الوطنى فى المدى المنظور وليس البعيد، غير أن عددا من أعضاء مجلس الحوار لا يرون أن هناك أى تباطؤ فى الأمور الاجرائية، مؤكدين أن الوصول لحوار وطنى جيد يحتاج إلى إعداد جيد يأخذ وقته «الموضوعى».
من حق بعض المشاركين فى مجلس أمناء الحوار الوطنى أن يروا أنه «ليس فى الإمكان أبدع مما كان»، ومن حق آخرين أن يطالبوا بالصبر على من يتولون مسئولية الإعداد للحوار الذى يتعلق بمستقبل الشعب المصرى بكافة أطيافه، لكن من حق قطاع آخر يتابع المشهد من بعيد، أن يعبر عن قلقه وعدم ارتياحه للانتظار الطويل، لأن الواقع يشهد كل يوم المزيد من التعقيدات والتحديات التى تتطلب الإسراع بوضع سلم أولويات العمل العام فى أقرب وقت.
الناس لا تتحمل رفاهية الجدل واستعراض القدرات الكلامية لدى البعض فى جلسات حوار مفتوح أو خلف جدران، على حساب قضايا تمس معاناتهم اليومية مع متطلبات الحياة من مأكل ومشرب، وخدمات يعرف مستواها القاصى والدانى، وخاصة فى مجال التعليم الحائر بين خليط من المناهج الأجنبية والوطنية التى لم تفلح حتى الآن فى تقديم خريج بمستوى يلبى احتياجات سوق العمل الحقيقية.
نتفهم حرص مجلس أمناء الحوار الوطنى على إنضاج هياكل تنظيمية تسهم فى نجاح الحوار الوطنى المنتظر، وأن تكون قادرة على إدارة الدفة بأفضل مقدار، لكن ذلك لا يتعارض مع تسريع الوتيرة، لتجنب الفتور الذى قد يولد الاحباط، فنحن لسنا فى معمل كيميائى معزول عما يدور حولنا من متغيرات ليل نهار، مع الوضع فى الحسبان أن الأحداث ربما تتجاوز أى حوار.
فى الأخير.. رحم الله أخى وصديقى شاعر العامية الكبير رمضان عبدالعليم الذى عمده النيل، وصنعه طين أرمنت فخرج لنا عودا صلدا صبورا عند الشدائد.