ميسي يعانق المجد - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:53 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ميسي يعانق المجد

نشر فى : الإثنين 19 ديسمبر 2022 - 7:00 م | آخر تحديث : الإثنين 19 ديسمبر 2022 - 7:00 م
كاد الحلم أن يضيع، لكن البرغوث الأرجنتينى المراوغ واصل القفز هنا وهناك قبل أن يصيب غريمه فى نهاية المطاف بلدغة قاتلة، مقصيا «الديوك» الفرنسية بعيدا عن عرش التتويج بمونديال قطر 2022، أمام 88 ألف مشجع احتضنهم ملعب لوسيل الذى شهد منافسة ضارية فى مباراة مثيرة تلاعبت بأعصاب الملايين من متابعيها حول العالم قبل اللاعبين أنفسهم الذين خاضوا ما يشبه صراع الجبابرة.
عقب التتويج باللقب الأغلى فى مسيرة أى منتخب كروى، وبعد انتظار راقصى التانجو 36 عاما كاملة، كان طبيعيا أن تعم الأفراح وتقام الاحتفالات فى شوارع وبيوت جميع مدن وبلدات الأرجنتين على اتساعها، بشكل بلغ حد الهوس، ولِمَ لا؟!، فقد حقق ليونيل ميسى أخيرا حلما كافح كثيرا من أجله، وسط تشكيك الكثيرين، لكن الكرة ابتسمت للنجم المحبوب وعانقت شباك نصر بدا فى لحظات عنيدا، عزيز المنال.
سيظل نهائى المونديال الذى خاضه منتخبا فرنسا والأرجنتين على ملعب لوسيل القطرى، طويلا فى ذاكرة عشاق الساحرة المستديرة، ليس بوصفه مباراة لإحراز لقب رياضى، وإن كان الأهم، ولكن لتجسيده صراع بين إرادات تظهر بلا مواربة كيف يمكن للبشر أن يخوضوا معاركهم مع الحياة، فـ«لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس» كما قالها ذات يوم الزعيم الوطنى المصرى مصطفى كامل.
ثمانون دقيقة كاملة ظل فيها منتخب الأرجنتين متفوقا على خصمه بهدفين بلا رد، قبل أن يقلب الديوك فى دقيقتين من العشر الأخيرة لعمر المباراة الأصلى النتيجة رأس على عقب، ليذهب الفريقان إلى شوطين إضافيين عزز خلالهما كل فريق رصيده بهدف ثالث، ليظل التعادل سيد الموقف، قبل الانتقال إلى ركلات الترجيح، وسط حبس لأنفاس مشجعى كل فريق، لكن المثابرة والرغبة الصادقة فى الفوز كانت حليف الأرجنتين.
النصر جميل لكن الأجمل أن تأتى التهنئة من الجار المنافس والخصم التقليدى اللدود، البرازيل، فقد كان لافتا توالى التهنئات لميسى من بيليه ونيمار ورونالدو.. فالأسطورة بيليه اللاعب الوحيد المتوج بكأس العالم ثلاث مرات، كتب عبر حسابه على «إنستجرام» مرفقا صورة ميسى وهو يحمل الكأس محاطا بزملائه: «اليوم تواصل كرة القدم فى إخبار قصتها بطريقة آسرة كما عودتنا. فاز ميسى بلقبه الأول فى كأس العالم، لأن مسيرته تستحق ذلك.. هنيئًا للأرجنتين. دييجو (مارادونا) يبتسم الآن».
بدوره نشر النجم البرازيلى نيمار، صورة لميسى عبر حسابه على «إنستجرام»، وهو يلمس الكأس بعد استلامه جائزة أفضل لاعب فى البطولة، وكتب: «هنيئًا لك يا أخى»، ليتبعه المهاجم البرازيلى الملقب بـ«الظاهرة» رونالدو، بتهنئة مماثلة قائلا: «إنه وداع فى القمة لهذا العبقرى الذى يعد أكثر من فائز بكأس العالم، إنه طبع حقبة بأكملها. أتخيل صديقى دييجو يحتفل فى الجنة. هنا نحن الملايين من كل الجنسيات نقف لك تصفيقًا. هنيئًا ميسى».
هذه هى روح كرة القدم، أو بالأحرى الروح الرياضية التى لا تعرف الحقد والحسد، بل تفرح بالموهبة، وتشجع أصحابها، ففى عالم الإبداع والابتكار فى كل المجالات هناك متسع للجميع شريطة الاحتكام لقانون الكفاءة والإجادة، بعيدا عن الفساد والمحسوبية التى سرعان ما تتعرى وتنكشف على بساط الحياة، وتتحطم على صخرة الفشل فى تحقيق الإنجازات التى تنفع وتسعد الناس.
كرة القدم ليست حفنة من اللاعبين الذين يركضون وراء قطعة من الجلد المستدير المنتفخ بالهواء، بل هى تجسيد حى على قدرة الشعوب فى حشد طاقاتها البشرية، وحسن إدارة مواردها المادية والمعنوية لتحقيق الأفضل، وتعزيز الثقة فى الذات فى مواجهة التحديات وتخطى عقبات الحياة، وهذا هو الدرس الأهم من تنظيم البطولات فى ميادين الرياضة.
وفى الأخير تحية واجبة للأشقاء فى قطر الذين احتضنت بلدهم نسخة مبهرة لمونديال كان الأكثر إثارة فوق النجيل الأخضر، فقد أظهرتم للعالم صورة العربى على حقيقتها، متسامحا ومسالما، وكريما، ومحبا لإخوانه من بنى البشر، وهى رسالة كنا أحوج ما نكون إليها، فيما ستظل صورة ميسى مرتديا العباءة أو «البشت» عالقة فى الأذهان لسنوات طوال.
التعليقات