تنتشى بالحزن - خولة مطر - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 11:28 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تنتشى بالحزن

نشر فى : الأحد 20 أكتوبر 2024 - 6:50 م | آخر تحديث : الأحد 20 أكتوبر 2024 - 6:50 م


كيف لك أن تعرف أن تنتشى والحزن يقطع ليس قلبك فقط، بل كل شرايينك وتفاصيل جسدك وأحاسيسك حتى تصورت للحظة أن الحزن قد انتصر عليك أو أنك أصبت بلوثة من الجنون. عام وقلبك ينعصر وعقلك تشتت من كثرة التفكير والبحث والاستقصاء ومحاولة فهم اللحظة أو هى فهم ردة فعل كُثر ممن يحيطون بك، تسمع بهم، تعرفهم من بعيد أو حتى أولئك الذين لم يكونوا على تقاطعات دروبك الحقيقة أو الافتراضية.
• • •
فى لحظة تكاد تكرر سؤال ذاك الذى سمى نفسه زعيمًا «من أنتم؟» كم كان سؤاله بلا معنى أو حتى فكاهيًا حتى صار هو الأكثر انتشارًا والأحداث تتدحرج سريعًا، فقبل أن تغمض عينيك وتفتحهما تكون هناك مجازر جديدة أو حتى محرقة، نعم فقد شاهدنا المحرقة مباشرة على شاشات البث المتنوعة للمرة الأولى فى التاريخ الحديث، وكنا نسمع عنها كثيرًا وكان الفلسطينية/الفلسطينى يدفع ثمنًا باهظًا لها رغم أن أحدًا لم ينقلها، ولم يصورها سوى ما تبقى منها، ومع ذلك فلم يتوقفوا عن التذكير بها فى كل مفصل تاريخى بل حتى ودون أى مناسبة. ها هم الأطفال يحرقون أمام أعين العالم الذى لبس غمامة أو أدار وجهه أو حتى التزم صمت القبور.
• • •
صور كثيرة لا تتحملها العدسات ولا الذاكرة ورغم ذلك تبقى مسمرا تراقبهم، نعم تراقب أحبتك بوجوه متعبة، حزينة ومليئة بالأسئلة وأكثرها حضورًا «أين أنتم؟» بل أين العالم المتحضر المدافع عن حقوق الإنسان والأعراف الدولية والمطالب دومًا باحترام اتفاقيات كتبت بعد بحور من الدم والعرق؟ أين أنتم؟ وهم يعجنون الخبز بالزعتر المتبقى إذا ما وجد ينثرون الأمل، ويرسلون رسائل أكثر إيمانًا من ذاك المتربع على المنبر هنا أو هناك حامل لقب رجل دين أو رئيس أو زعيم أو ملك أو أمير، منتخب أو لا منتخب، كلهم توحدوا ليقفوا فى وجه ذاك الطفل يقصفون مرة فينجو هو وأخته، ومرة ثانية فيفقد أخته، وثالثة يجد نفسه برجل أو يد أو دون عين، ثم يمضى مع النازحات والنازحين الذين تطاردهم القنابل شديدة الذكاء، لكنها بكل ذكائها لا تعرف سوى الموت لكل الأبرياء لأرواح كل جرمها أنها قبضت على حفنة من تراب أرضها، وقالت: لن أرحل سأبقى هنا حتى آخر شجرة زيتون وآخر فراشة وآخر موجة وآخر نخلة بل آخر نفس.
• • •
هم يحبون الموت، قال بعضهم أو بعضنا، فردوا هم عليه بأغنية أو نكتة أو بسمة تشير لمحبة للحياة لم يعرفها أحد مثلهم، بل هم من يعلّمون كل البشر معنى أن تحب الحياة بعيدًا عن زيف الحيوات التى يرسمها بعض المحللين من الجهلة أو النصابين أو المرتزقة أو ربما فقط محبى المال أكثر من بلدهم وأرضهم وكرامتهم وهم كثر.
• • •
هذا عام انكشف فيه كُثر، فى البدء قلنا مساكين لم يقرأوا رسائل نتنياهو، بل من سبقوه وهى فى مجملها توضح المخطط والمشروع. أشفقنا عليهم وأبقينا الود الذى كان وقلنا الناس لا تتساوى فى المعرفة ولا فى الآراء خاصة عندما اكتشفوا تلك العبارة الممجوجة «الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية»، من الأحمق الذى أخبرهم أو علّمهم بها ولم يفسر أن الاختلاف على الوطن والأرض والحق يفسد كل الود بل ربما يحوله إلى جفاء؟ لا خلاف على الحق فهو أكثر وضوحًا من الشمس حتى فى أيام الخريف المعتمة.
• • •
قلنا توقفوا عن نشر أكاذيب الصهاينة خاصة المستعربين منهم الناطقين بلغة الضاد، وهى بريئة منهم فلم يسمعوا فقد كان هناك شىء من النشوة المشبوهة، بل صعب على العلماء والباحثين تفسيرها. فكيف ينتشى الإنسان فى لحظة الموت خاصة أن كان اغتيال جبانًا من عدو أجبن. وكيف يفرح البعض ويُشتم أشخاص قد ارتحلوا إلى ربهم شهداء حسب تفسير الكلمة فى المعجم أو فى الكتب السماوية؟
• • •
فجاء شهر أكتوبر فنختم عامًا من الصمود الممزوج بالآلام وتكون الخاتمة رغم أن الوجع كبير فإنه حزن ممزوج بنشوة الانتصار عندما يسجل كل فى مكانه أمثلة ونماذج للقائد المتقدم الصفوف الذى لا يترك جيشه أو جنوده وحدهم، بل يقول لهم أنا قبلكم فهذا ما أتمناه أن أموت فى ساحة المعركة على أن أموت فى فراشى، وألا أترك خلفى إلا ذكرى عطرة فيما الآخرون قد استعبدتهم الكراسى والمال. هى لحظة حزينة جدًا لكنها مليئة بنشوة نماذج إنسانية ستبقى أكثر حياة فى مماتها من كثير من الأحياء منا، وستسجل الكتب والتاريخ بطولاتها وتضحياتها ويتعلم أحفاد أحفادنا عنهم ويرددون أسماءهم.

 

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات