الأكثر مبيعًا - عماد الغزالي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 4:32 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأكثر مبيعًا

نشر فى : الإثنين 20 ديسمبر 2010 - 10:11 ص | آخر تحديث : الإثنين 20 ديسمبر 2010 - 2:00 م

طغت ظاهرة الأكثر مبيعا على مناقشات الروائيين فى مؤتمر الرواية الذى عقد بالقاهرة مؤخرا، واشتكى أدباء من ذيوع روايات ضعيفة على حساب أخرى أحكم بناء وأنضج لغة وأبدع تصويرا، ورأى بعضهم أن ما تقدمه دور النشر من بيانات عن الكتب الأكثر مبيعا ليس دقيقا، وأنها تسوّق لأعمال رديئة لتشبع نهم القراء إلى قراءة سهلة، حتى لو افتقدت هذه الأعمال إلى المعايير الفنية المنضبطة.

بعض هذا صحيح، وأكثره يستحق أن نتوقف عنده بالمناقشة، التى تبدأ من المسمى ذاته «الأكثر مبيعا»، وأرجو أن تلاحظ أن التسمية ليست الأروع إبداعا أو الأكثر إثارة أو الأعمق أثرا، إنها ببساطة الأكثر مبيعا، وهى تعكس دلالة واحدة لا غير: مزاج القارئ، الذى اقتطع من دخله ـ وهو قرار صعب فى بلادنا ـ كى يشترى كتابا، وهو المزاج ذاته الذى جعل كتب الطبخ تتربع على القمة، ووضع كتب عذاب القبر وأهوال القيامة وعوالم الجن فى صدارة المشهد لعدة سنوات، فيما توارت أعمال أكثر جدة، قرأت التراث بعين ناقدة وميزت فيه بين الصالح والطالح.

الأكثر مبيعا انعكاس مادى صريح للمزاج العام، تعبير عما «يريده» الناس وليس عمّا «يحتاجونه»، والفرق بين المعنيين كبير، كالفارق بين أصحاب الرسالات واللاعبين بالبيضة والحجر، وفى الميدان سيلتف عشرات الألوف حول الحاوى مستمتعين بحيله، مستسلمين للعبة خداع البصر التى يمارسها عليهم، وسيقضى النبى نهاره كله بحثا عن ثلاثة أشخاص يؤمنون برسالته.

ومن بؤس زماننا أن صارت الأشياء كلها سلعا قابلة للبيع والشراء، ومن بؤسه أن امتد التسويق من الأشياء إلى البشر، وهى صناعة عرفها الأمريكان منذ زمن بعيد، فسوّقوا للناس خونة ومرابين وقوادين ومجانين، وصنعوا منهم رؤساء وزعماء وقادة رأى.

وكما هى العادة، نقلنا عنهم أسوأ ما فيهم، وانغمسنا ببسالة فى زمن الماركيتنج، الذى تبحث فيه عن قيمة فلا تجد إلا هراء، تبحث عن طه حسين والعقاد وأحمد لطفى السيد ويحى حقى وفؤاد زكريا ومحمد عبده وقاسم أمين، فلا تجد سوى هؤلاء الذين يحاصروننا بأكاذيبهم وتحليلاتهم الضالة المضلة، منفوخين متأنقين وعقولهم وأفئدتهم خواء.

بالإلحاح و«الزّن» الذى هو أمر على الودان من السحر، يصنعون نجوما يطلون علينا فى كل حين، والعوام من خلفهم يلهثون وقد زلزلت أقدامهم عن مواضعها.

لكننى مطمئن ياصديقى وأطمئنك...

ستذهب ألاعيب الحواة ويبقى كلام الأنبياء.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات