التزييف العميق.. خطر قادم من عالم الذكاء الاصطناعي - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:36 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التزييف العميق.. خطر قادم من عالم الذكاء الاصطناعي

نشر فى : الجمعة 21 يونيو 2024 - 7:05 م | آخر تحديث : الجمعة 21 يونيو 2024 - 7:05 م

شق الذكاء الاصطناعى طريقه سريعا إلى حياتنا اليومية فى محاكاة مميزة للذكاء البشرى وساهمت تطبيقاته فى مجالات عدة على غرار عالم الأعمال والطب والفلاحة والتعليم والفنّ والأمن السيبرانى.. ووجدت المجتمعات نفسها مجبرة على التعامل مع هذه التطبيقات التى تُوظّفُ خوارزميات الذّكاء الاصطناعى والتى جسّدت أحيانًا جوانب طريفة.
لكن هل لانبهارنا بالجانب المشرق للذكاء الاصطناعى أن يدوم طويلًا لا سيما فى غياب نبراس أخلاقى يسمح بالتحكّم فى الإمكانيات الكامنة فى نظمه وتطبيقاته؟
طبعًا سرعان ما لاحت الإجابة حاملة فى ثناياها الجوانب المظلمة للذكاء الاصطناعى لتزداد المخـاوف تعاظما مع ظهور بعض من تقنياته الجديدة تصدّرتها تلـك التى أطلق عليها مطوّرها Ian G. Goodfellow المهندس والباحث الأمريكى فى شركة Apple مصطلح Deepfakes أى التزييف العميق التى يُعزى انتشارها إلى تطور تقنيات التعليم العميق والتعلم الآلى لتستخدمها فى البداية استديوهات السينما لمعالجة الصور والأفلام، حيث تمّ الاعتماد على الخوارزميات لتحديد وجوه الأشخاص وإعادة تركيبها على وجوه أخرى.
ويمكن القول أنّ مصطلح التزييف العميق يُقصدُ به التقنية التى تجمع بين التزييف والذكاء الاصطناعى والمستخدمة فى تكوين وإنتاج صورة أو مقطع فيديو لشخص غُيِّر وجهه أو جسده رقميا بحيث يبدو مثل شخص آخر أو يبدو كأنّه يقوم بفعل مُعيّن أو تلك المستخدمة كذلك لفبركة أخبار كاذبة ومحاولة خداع الناس والتسبب بأذى للبعض مع المحافظة الحريصة على مطابقة الوحدة الصوتية وتقاسيم الوجه وتعابيره، مثل الابتسامة ونظرة العينين والإيماءات.. ليصعبُ تبيّن الحقيقة من الزيف فى المظهر أو الأقوال أو الأفعال المفبركة.
وتعاظمت التحديات مع سهولة تزييف الأقوال ومقاطع الفيديو لاسيما مع تكنولوجيا «غيّرت الأوضاع وبدّلت الطباع»، وجعلت الحذر هو الأصل فى التعامل مع كل ما هو مرئى ومسموع اقتداء بمقولة «لا تصدّق كل ما تسمع ولا تُصدق دائما ما تراه عيناك»، وهو ما تأكّد مع ما سجلته الفترة المنقضية من سنة 2024 من تزايد لعمليات الاحتيال التى استخدمت تقنيات الذكاء الاصطناعى بشكل يومى على مستوى العالم إضافة إلى صعوبة اكتشافها مما كشف عن توجهات مقلقة ومنذرة بالخطر بخصوصها.
ولئن تُستخدمُ تقنية التزييف العميق لارتكاب جرائم انتحال هويّة واختلاس واحتيال وتزوير وابتزاز الكترونى وانتقام إباحى، فإنّ الأمر يزداد خطورة مع الحرب التى يشنّها ذوو الأغراض الخبيثة والدنيئة وناشِرو الأخبار الزائفة المتربصون بسباق الانتخابات فى الفضاء الافتراضى بما من شأنه أن يُقوّض الثقة فى وسائل الإعلام عبر الاستخدام السيئ لهذه التكنولوجيا بقصد التأثير على سير العملية الانتخابية أو إلحاق الأذى بالمترشحين وتحويل اهتمامات الرأى العام نحو قضايا معيّنة مما ينجرُّ عنه التضليل الإعلامى والمساس بالحياة الخاصة للأفراد ولبعض الشخصيات العامة.
وباعتبار أنّ العالم يعيش خلال سنة 2024 على وقع انتخابات فى أكثر من 50 دولة تمثل مجتمعةً حوالى نصف سكان العالم بما رشّحها لأن تكون «سنة الانتخابات بامتياز» فإنّه من المنتظر أنّ الأمـر قد يتّجه مـن سيء إلى أسوأ لاسيما وأن الاستحقاقات الانتخابية عادة ما تشهد إطلاق موجات من الشائعات بهدف التأثير على سير العمليات الانتخابية لصالح طرف ما على حساب طرف آخر أو لصالح أيديولوجية بعينها، وهو ما سجّلته مثلًا أخبار الانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع إجراؤها يوم «الثلاثاء الكبير» الموافق ليوم 5 نوفمبر 2024 فى ظلّ سباق محموم للمترشّحين نحو البيت الأبيض، حيث طالت تقنية التزييف العميق أحد مرشحيها وهو الرئيس الحالى جون بايدن مـن خـلال مكالمة آلية له انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى يـوم 20 يناير 2024 أى قبل يومين فقط مـن الانتخابات التمهيدية الرئاسية استُخدم فيها الذكاء الاصطناعى لتزييف صوته ليبدو حقيقيًا، وهو يطلب فيها من سكّان مقاطعة نيو هامبشاير عدم التصويت له فى تلك الانتخابات، لتُقرّر هيئة الاتصالات الفدرالية الأمريكية حظر المكالمات الآلية التى تُستخدم فيها أصواتًا مُولّدة بواسطة برنامج الذكاء الاصطناعى Robocalls.
وتأسيسا على ما سبق ذكرهُ فإنّه من الواضح أنّ الانخراط فى منظومة الذكاء الاصطناعى لم يعد اليوم ترفًا أو رفاهية بل أصبح أمرًا حتميًا للحاق بالركب فى هذا المجال، ناهيك مع التطور الكبير الذى شهده خلال الفترة الأخيرة بما جعله يحظى باهتمام عالمى وسياسى لينضمّ إليهما اهتمام المؤسسات البرلمانية أيضًا ترجمته رئيسة البرلمان الأوروبى روبيرتا متسولا، بقولها: الذكاء الاصطناعى بالفعل جزء كبير من حياتنا اليومية، والآن سيكون جزءًا من تشريعاتنا أيضًا.
فبداهة فى ظلّ انتشار الاستخدامات السيئة لتطبيقات هذه التكنولوجيا، أصبح لزامًا على كلّ المتداخلين وبدرجة أولى المشرِّعين إرساء جسور التعاون المشترك عبر تبادل التجارب والمعارف والممارسات الفضلى بخصوص تعقّب الابتكارات والتسريع فى سنّ التشريعات الضرورية للإحاطة باستخدامات الذكاء الاصطناعى ووضع مبادئ وأخلاقيات لها كالنزاهة والإنصاف والأمن والخصوصية والشفافية والمساءلة والمسئولية تحصينًا للحقيقة وحماية لحقوق الأفراد والمؤسسات.
وتصدّرت الأمم المتحدة هذا التوجّه من خلال اعتمادها أوّل قرار من نوعه حول الذّكاء الاصطناعى تحت شعار «نَحكُمُ الذّكاء الاصطناعى بَدَلَ أن يحكمنا هو» ومحوره الاستفادة من الفرص الآمنة والمؤمنة والموثوقة لهذه التكنولوجيا لأغراض التنمية المستدامة. وقد ورد بهذا القرار أنّ «التصميم الضار أو غير السليم لأنظمة الذكاء الاصطناعى وتطويرها ونشرها واستخدامها يشكّلُ مخاطر يمكن أن تُقوّض حماية وتعزيز وممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية».
لكن وإن تتالت المبادرات بإرساء التشريعات لوضع الأطر القانونية والتنظيمية للذكاء الاصطناعى، فإنّ هاجسًا كامنًا سيظل قائمًا بخصوص عدم تناسب نسق إصدار التشريعات مع السرعة الهائلة التى تتطوّر بها هذه التقنيات إذ إنّ ما يتم تشريعه اليوم قد يطويه الزّمن غدًا.
ليبقى السؤال مطروحًا لمن ستكون الغلبة يا ترى؟ للوجه المشرق لتطبيقات الذكاء الاصطناعى أم للجانب المظلم منها؟

نجوى عوايطي
جريدة المغرب التونسية
النص الأصلى
https://rb.gy/0lzk15

التعليقات