الصمت العربى على الجرائم الإسرائيلية! - محمد سعد عبدالحفيظ - بوابة الشروق
الإثنين 28 يوليه 2025 1:10 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

الصمت العربى على الجرائم الإسرائيلية!

نشر فى : الأحد 27 يوليه 2025 - 8:20 م | آخر تحديث : الأحد 27 يوليه 2025 - 8:20 م

 لم تكن سخرية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، من إعلان نظيره الفرنسى إيمانويل ماكرون عزمه الاعتراف بالدولة الفلسطينية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر المقبل، إلا تعبيرًا واضحًا عن العقيدة الجديدة التى تتبناها واشنطن تجاه الحقوق الفلسطينية، والتى تتجاوز المواقف السياسية إلى الإيمان الدينى المتجذر فى مؤسسات الحكم الأمريكية.

يتبنى ترامب، ومعه التيار الصهيونى المسيحى المتغلغل فى مفاصل الدولة الأمريكية، رؤية تقوم على إنكار الوجود الفلسطينى، وترويج مقولة أن لا مستقبل لهذا الشعب على أرضه، إذ إن «أرض الميعاد» الممتدة من البحر إلى النهر لا تتسع إلا لدولة يهودية واحدة، فإسرائيل من وجهة نظرهم «دولة صغيرة جدًا على الخريطة»، وتحتاج إلى ضم المزيد من الأراضى حتى تكتمل نبوءة «العودة الكبرى».

هذا المنطق عبر عنه صراحة مايك هاكابى، القس الإنجيلى السابق، وحاكم ولاية أركنساس، وسفير ترامب لدى تل أبيب، والذى نقلت عنه وكالة «بلومبرج» مطلع الشهر الماضى تصريحات اعتبر فيها الضفة الغربية جزءًا من «يهودا والسامرة»، داعيًا الفلسطينيين للبحث عن وطن بديل فى بلد مسلم آخر. 

لم يكن هاكابى يغرد خارج السرب، بل يردد ما بات يمثل عقيدة متجذرة فى البيت الأبيض، فدعم  الإدارة الأمريكية لإسرائيل يستند وفق المواقف والتصريحات المعلنة إلى نصوص توراتية تم تأويلها لخدمة الدولة اليهودية.

يضم هذا المعسكر، نائب الرئيس الأمريكى الأسبق مايك بنس، ووزير الخارجية الأسبق مايك بومبيو، ووزير الدفاع بيت هيجسيث، ومستشاره ستيفن ميلر، ورئيسة «مكتب الإيمان» فى البيت الأبيض باولا وايت، وغيرهم.. جميعهم أبناء التيار الإنجيلى المتشدد، الذى يرى أن دعم إسرائيل ليس خيارًا سياسيًا، بل واجب دينى مقدس ينال صاحبه «بركة الرب». 

هذا التيار ذاته هو من هندس حظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة فى 2017، ودفع فى اتجاه شرعنة الدولة الاستيطان فى الضفة الغربية، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بسيادة الاحتلال على الجولان، ويدعم بلا مواربة عمليات الإبادة التى تمارسها إسرائيل بحق الفلسطينيين.

فى أغسطس الماضى، وخلال حملة انتخابية أمام الجالية اليهودية، عبّر ترامب عن امتعاضه من «صغر حجم إسرائيل على الخريطة»، متسائلًا: «هل هناك طريقة للحصول على مزيد من الأراضى لإسرائيل؟». 

لم يكن حديث ترامب دعائيًا، ولا مجرد مغازلة لجماعات الضغط اليهودى أو بارونات المال اليهود، بل هو تعبير عن قناعة راسخة، حسبما عبرت الكاتبة ميشيل جولدبرج فى «نيويورك تايمز»، بأن ترامب هو «حصان طروادة» اليمين المسيحى الذى يريد فرض رؤيته الدينية على السياسة الخارجية الأمريكية.

فى ضوء ذلك، لم تكن مفاجئة تلك السخرية التى أطلقها ترامب تجاه ماكرون، واصفًا اعتراف فرنسا بفلسطين بأنه «خطوة غير مهمة ومتهورة». فالموقف ذاته تبنّاه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذى اعتبر اعتراف فرنسا «مكافأة للإرهاب»، فيما ذهب وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش إلى أن هذا الاعتراف يمنح إسرائيل «دافعًا إضافيًا» لضم الضفة الغربية، وإنهاء «الوهم الخطير لدولة فلسطينية إرهابية».

سموتريتش لا يمثل تيارًا هامشيًا فى إسرائيل، بل بات صوتًا يعكس الإجماع السياسى الصهيونى، حيث اختفت الدولة الفلسطينية من برامج أغلب الأحزاب، وهو ما تم التعبير عنه فى الكنيست قبل أيام عندما جرى تمرير نص غير ملزم يدعو إلى فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، فى خطوة تعبّر عن تحلل إسرائيل الكامل من كل القرارات الدولية والالتزامات التى وقعت عليها فى أتفاق أوسلو.

الواقع يقول إن إسرائيل، ومعها الولايات المتحدة، لم تعد ترى فى الحقوق الفلسطينية سوى عبء يجب التخلص منه. مشروع حل الدولتين مات وشبع موتًا، والمبادرة العربية للسلام دُفنت منذ سنوات، ولم تعد تل أبيب بحاجة إلى تطبيع أو اعتراف عربى، فهى تفرض شروطها بقوة السلاح والطيران والاغتيال، مدعومة بغطاء أمريكى مطلق، فيما تقف الأنظمة العربية متفرجة وصامتة.

لم يعد مقبولًا الحديث عن «أوهام السلام»، أو الترويج لحلول ميتة. ما تواجهه القضية الفلسطينية الآن هو محاولة اجتثاث شامل، لا تقتصر على طرد السكان، بل تسعى إلى محو الهوية والوجود. أمام هذا الواقع، لا بد من تحرك عربى يبدأ فى حده الأدنى بسحب مبادرة السلام العربية، وإلغاء الاعتراف بإسرائيل، والضغط دوليًا للاعتراف بدولة فلسطينية ديمقراطية، تعددية، على كامل الأرض الفلسطينية التاريخية.

القبول بالمنطق الإسرائيلى، أو الصمت على جرائمه، سيقود المنطقة إلى مرحلة جديدة من الهيمنة القائمة على الإرهاب والقوة. إن لم يُكبح هذا المشروع الآن، بكل الأدوات العربية المتاحة، سنشهد عقودًا قادمة من التفرد الإسرائيلى بمصير المنطقة.

 

محمد سعد عبدالحفيظ كاتب صحفي وعضو مجلس نقابة الصحفيين
التعليقات