السويس مدينة ارتبط اسمها بالعديد من المعارك الكبرى التى خاضتها مصر دفاعا عن حريتها، وحماية حدودها، وأراضيها فى مواجهة أعداء متربصين جاءوا طامعين فى درة الشرق، فخاب رجاؤهم وارتدوا عنها مقهورين، مندحرين، فقد كانت مصر، وستظل، مقبرة لكل الغزاة والمغامرين.
حملت السويس أسماء عدة عبر العصور، فقد أطلق عليها الرومان اسم «هيرو- أون»، ومعناها مدينة الأبطال، وفى فترة لاحقة من ذلك العصر أُطلق عليها "كلسيما" (أو كليزما أو قلزوما). ثم جاء العرب وحرّفوه إلى "القُلزم".
وفى القرن التاسع الميلادى، حسب الدكتور راضى محمد جودة فى كتابه الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة «السويس مدينة التاريخ» أصدر خمارويه بن أحمد بن طولون (884-895 م) أمره بإلغاء الأسماء القديمة، وأطلق اسم «السويس» على «القلزم».
ورغم تعدد الآراء بشأن أصل تسمية مدينة السويس، فإن جودة، يرجح فى كتابه أن تكون تسمية «السويس» راجعة إلى عبارة رددها عبد الله الغريب القائد الفاطمى المغربى الذى جاء لصد القرامطة عن البلاد، وفتح طريق الحج، عندما نادى على جنوده : «قفوا سواسية ترهبوا أعداء الله».
وفى «شهر الانتصارات» لابد أن يكون للسويس نصيب من الاحتفالات وقد اتخذت المحافظة من 24 أكتوبر عيدا قوميا تخليدا لصمود المدينة، وأبنائها، فى وجه مغامرة العدو الإسرائيلى لاقتحامها خلال حرب 1973 بحثا عن نصر كاذب يحفظ به ماء الوجه، بعد أن ذاقت قواته هزيمة مذلة على يد القوات التى عبرت قناة السويس بعد ظهر السادس من أكتوبر المجيد.
ملحمة السويس بدأت مع صدور قرار مجلس الأمن رقم 338 بإيقاف القتال بين القوات المصرية والإسرائيلية اعتبارا من غروب شمس 22 أكتوبر 1973، لكن إسرائيل، وفقا للمشير محمد عبدالغنى الجمسى فى كتابه عن حرب أكتوبر، ورغم موافقتها على تنفيذه، كانت تضمر نواياها بعدم احترامه، ولذلك دفعت بقواتها إلى غرب القناة ليلة 22- 23، وقامت بتعزيزها ليلة 23-24 أكتوبر، استغلالا لما حدث فى ثغرة الدفرسوار.
فجر 24 أكتوبر حاولت قوات العدو اجتياح السويس بريا، لفرض وضع يحسن من شروط التفاوض مع مصر، فاخترقت قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، سعيا لاحتلال المدينة، لكنها واجهت مقاومة شعبية شرسة، وقتالا عنيفا من أبطال الفرقة 19 مشاة التابعة للجيش الثالث، قبل أن تجبر فى النهاية على الفرار.
ومن واقع ما ذكره المؤرخ العسكرى الدكتور جمال حماد فى كتابه «6 أكتوبر فى الاستراتيجية العالمية» الصادر عن دار الهلال: «كان صمود السويس نقطة تحول حاسمة فى مصير مغامرة الثغرة كلها، فقد ركز العدو عليها كل أحلامه، وكذلك كل أحقاده، فقد صب عليها أكثف نيرانه جوا وبرا وبحرا حتى أصيبت بدمار رهيب، بحيث ارتفعت نسبة الخسائر فى المنازل من 65% قبل أكتوبر إلى 85% بعده (...) ثم عمد العدو إلى تطويق المدينة وحاصرها من الشمال والغرب والجنوب».
ويمضى حماد قائلا: «ثم لجأ العدو الغادر إلى قطع المياه عن المدينة، حيث قام بردم ترعة السويس العذبة فى قطاع منها يبلغ طوله عدة كيلومترات (...) وبالمثل ردم قطاعا من ترعة الإسماعيلية، وبهذا انقطع إمداد المدينة بالمياه، فضلا عن انقطاع إمدادات التموين والغذاء، ومن هذا الحصار والضرب كان العدو يأمل أن تسقط المدينة أو تستسلم فى النهاية جوعا وعطشا، لكن السويس الباسلة ضربت مثلا رائعا فى المقاومة ومنع العدو من دخولها تماما».
تحولت مغامرة العدو الإسرائيلى لاحتلال السويس إلى مقبرة لدباباته وجنوده الذين انتظرتهم المقاومة الشعبية وقوات الشرطة والجيش، فى ملحمة تاريخية لابد أن نتذكرها فى كل الأيام، وجعلها حلقة فى آذان الأجيال الجديدة لتعرف كيف ضحى الأجداد دفاعا عن هذه الأرض الطيبة التى طالما أنجبت الأبطال، وصنعت من مدن كالسويس قلاعا للذود عن التراب الوطنى فى مواجهة كل عدو وإن اختلفت الوجوه على مر الأزمان.