تسابق الزمن.. تتصور أن عندك متسعا من الوقت لتحقق ما تريد، مهما كان ذلك الذى تطمح إليه صغيرا جدا ومتواضعا بقدر ما تحولت أحلامنا إلى بعض المساحات البسيطة.. بقدر ما أصبحت تحاول أن تطلب ما هو مستطاع.. أما بالنسبة للأغلبية الساحقة من البشر فيبحثون عن لقمة لا تكون مغمسة بالعرق أو ربما بالدم الذى أصبح أكثر وفرة من الماء!!! أما أولئك الجالسون فوق كوم الأوراق الخضراء المكدسة بالملايين فهؤلاء لا همَّ لهم إلا السؤال المتكرر: «هل من مزيد؟»..
***
ولكن هى نهاية وبداية فلماذا التركيز على النهايات بدل فتح نوافذ الأمل والفرح للمولود القادم والذى نأمل ألا يولد مشوها بترهلات الزمن.. تتزين المدن بالأنوار، ربما احتفالا بنهاية 2019 أكثر منها فرحا بالقادم، فيكرر بعضهم بكثير من السخرية قول: «سأصفع كل من يقول لى (ينعاد عليك)». أو كل من يحزن لأنها انتهت سريعا فتراكضت الأشهر وازدحمت وكأنها هى الأخرى تريد نفض ما تبقى من حزن ودم، والاغتسال بالأمطار أو الثلوج التى تصاحب نهايات الأعوام.. فيكسو البياض الأرض ويصبح الأفق كالقطن النقى، وما يكاد يلامس الأرض ليتحول إلى قطرة ماء أو يلامس تراكمات الثلوج.. أما فى بلداننا فعلى الرغم من عدم انخفاض درجات الحرارة لتسمح بولادة موسم الثلج فإن أجواء الفرح تبقى هى هى.. ربما إلا إذا أصدر أحدهم فتوى جديدة بعدم جواز الفرح مع نهايات الأعوام!!
***
تتصدر الصحف فى تلك البلاد قوائم ما يمكن أن يكون هدية للعام الجديد وهى ليست كلها فقط من المواد الاستهلاكية التقليدية على الرغم من أنها هى الأخرى تفرح الصغار والكبار. يقول أهلنا زمان: «أنا غنية وأحب الهدية».. إلا أن ما يلفت عندهم هو وضع قوائم أهم الكتب التى صدرت فى ذلك العام لتكون هدية جميلة.. تكتظ المكتبات ويقفون هناك طوابير طويلة إما للحصول على توقيع كتاب من الكاتبة أو الكاتب، أو حتى للبحث عن الكتب التى تصدرت قائمة أفضل 10 كتب حسب تقييم «النيويورك تايمز» أو غيرها من الصحف التى على الرغم من كل ما يقال عنها فإنها لا تزال تحتفظ بالكثير مما يجب على الصحفيين التعلم منه لو تواضعوا قليلا واعترفوا بنهاية الصحافة المكتوبة فى بلاد الحرف والكلمة الجميلة.. بل إنها كانت أرض ولادة الأديان السماوية حيث قال جبريل للرسول «اقرأ» وكانت إجابته «ما أنا بقارئ» فأصبح على المسلمين منذ ذلك الحين أن يعرفوا أن قرآنهم يستند على فصاحة اللغة، ولكنهم قد يكونون نسوا ذلك فى زحمة الفتاوى حول شروط دخول دورة المياه ــ أى بالرجل اليمنى أو اليسرى ــ وعلى أن ما اجتمع أنثى ورجل إلا كان الشيطان ثالثهما... وأى شيطان ذاك الذى يستطيع أن ينافسهم جهلا؟؟! أو ربما تزويرا لكتابهم أو تفسيراتهم المنغلقة على ثقافتهم المنزوية بين جدران التخلف الأربعة..
***
تسأل تلك المذيعة ذات الوجه الحسن والثقافة الضحلة: ما هى الهدية التى ستسعدكم فى العام القادم، يرد عليها المارة نحن لا نتهادى فى أعياد الميلاد ولا حتى فى السنة الهجرية فهذه «بدعة وكل بدعة ضلالة»!! ولكن ومع العد التنازلى لـ2020 لا يمكن لنا إلا أن نبحث عن مساحة للفرح، نفتح شبابيك الأمل، نغازل الحمامة الجالسة عند شرفتنا ونسقى العصافير قطرة ماء لتغرد مع اليوم الأول من العام القادم علها تسكت نعيقهم وأصواتهم المقززة.. البعض توقف منذ مدة عن تقديم الكتب كهدايا فهى بضاعة غير استهلاكية ونحن شعوب لا تقرأ بل تكتفى بتصفح مواقع الشبكات الاجتماعية، تتابع بشغف ما يبثه الجميع من أخبارهم الشخصية جدا على الإنستجرام.. من السخرية أن بعض دولنا لاتزال تمنع وتصادر الكتب فى حين تترك المواقع الإباحية والتافهة مفتوحة على مصراعيها.. ربما لتكريس الجهل حتى بين المتعلمين منا.. أم هى مجرد مصادفة؟.. يقف ذاك المسمى المسئول عن مواقع التواصل الاجتماعى يراقب النيات وليس الكلمات.. يصدر أوامره فيحضر ذاك المسكين الذى يحاول أن يكرس ثقافة أن وسائل التواصل هى لنشر المعرفة وربما بعض الأخبار التى تهم كل مواطن.. يستدعى كما تجار المخدرات، ربما حتى أولئك لا يستدعون إلى مراكز المخابرات والأجهزة الأمنية بل هم يسكنون «الفلل» الفاخرة ويرفعون رءوسهم بين الناس وكأنهم قد اخترعوا الذرة..
***
إذن أصبحت الكتب أخطر من الترامادول ويعد من يدخل كتابا فى سفرياته إلى عواصم الثقافة، خارجا عن القانون ومجرما.. عام جديد هو لا أحلام إلا تلك التى تبدأ صغيرة وتنتهى أصغر وأصغر.. لا طموح إلا أن تضج مكتباتنا فتواجه ذاك الجهل المكرس ببعض من المعرفة والنور.. لا تحبسوهم فى ظلمات كلماتكم النابية وتسفيراتكم وأخباركم المنتشرة من قبل جيوشكم الإلكترونية.. افتحوا لهم مساحة، اتركوا الكتب لتنقلهم إلى عوالم لم يعرفوها ومدن من نور..
***
... تذكير العام هنا بدلا من تأنيثه ليس من باب الخطأ بل مع سبق الإصرار والترصد فلم استخدم سنة 2019 لأنهم أدمنوا إسقاطات التأنيث على العواصف والظواهر الطبيعية الكارثية!!!