مطلع التسعينيات من القرن الماضى كانت جريدة العربى الناصرى تبدأ أولى خطواتها باعتبارها لسان حال حزب معارض، يومها طلب منى الأستاذ محمود المراغى رئيس التحرير رحمه الله، الإسراع بإجراء حوار مع إحدى القيادات الجامعية البارزة، التى كانت تعد من رموز نظام مبارك المعروفة، طبعا لم يكن لدى اعتراض على إجراء الحوار، لكنى كنت مستغربا أن تهتم صحيفة معارضة بشخصية تمثل السلطة على هذا النحو، فلما تتبعت الأمر فوجئت بأن صاحب الطلب هو رئيس مجلس إدارة الجريدة ورئيس الحزب الأستاذ ضياء الدين داود رحمه الله.
وللحق والتاريخ كان الأستاذ داود يتمتع بروح ديمقراطية عالية، ومنفتح على الحوار مع الشباب، ويسمح لنا ــ على الرغم من أننا كنا فى عمر أحفاده ــ بالجدل والاعتراض حتى على ما يكتبه فى الجريدة من آراء، فدلفت إلى مكتبه معبرا عن استغرابى لإجراء الحوار فكان رده بمنتهى البساطة: «يا ابنى هذا الرجل كان معنا»، فى إشارة منه إلى أن الشخصية المطلوب التحاور معها كان عضوا فى التنظيمات السياسية التى سبقت إعلان التجربة الحزبية إبان عصر الرئيس الراحل أنور السادات.
يومها فهمت أن رجال الدولة السابقين، وإن اختلفت بهم الأيام، لا يزالون يحتفظون بما يشبه الأجندة التى تضم قائمة بأسماء الرفاق القدامى، التى يحق لأصحابها أن يشد بعضهم بعضا، وألا ينسى أى منهم أن الزمالة تستدعى تقديم الخدمات المتبادلة، بدءا من المدح فى الزميل وانتهاء بتزكيته لتولى أعلى المناصب، وأن البعض منهم يظل مرجعية وإن كان فى المعارضة لمن هم فى الحكم.
هذه الحكاية عادت إلى ذاكرتى وأنا أتابع التشكيل الذى أعلن أخيرا، الخاص بأعضاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة وشقيقتها الخاصة بالإعلام، والمعركة التى دارت فى مبنى ماسبيرو حول وراثة مكتب صفوت الشريف وزير الإعلام الأسبق الذى تحققت نبوءته بأن يكون آخر وزير للإعلام مستقر فى عقل الناس على الرغم من الطابور الذى خلفه من وزراء.
فالأستاذ مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى للإعلام دخل فى خلاف حاد مع حسين زين رئيس الهيئة الوطنية للإعلام من أجل الجلوس على «مكتب صفوت» بالدور التاسع، بدلا من المكتب الذى خصص له فى الدور الثامن، باعتبار المجلس الأعلى للإعلام وريث وزارة الإعلام، التى يبدو أن أحدا لا يعترف حتى الآن بأن الشريف غادرها، فلا يزال المكتب يحمل اسم صاحبه القديم الذى اتضح أن منصبه الذى اعتلاه من بعده أكثر من وزير، قبل إلغائه، كان فضفاضا عليهم.
طبعا معركة «مكتب صفوت»، ليست الوحيدة التى عكستها عملية اختيار أعضاء المجالس الإعلامية والصحفية الأخيرة، وخاصة من جاءوا بأسمائهم وليس بصفتهم، حيث ظهر أن الأجندة القديمة للدولة العميقة لا تزال تعمل بفاعلية منقطعة النظير، فرجال مبارك الأشداء، وحواريوهم السعداء عادوا إلى صدارة المشهد، بعد المناورات السابقة التى رافقت فورة ثورة 25 يناير ضد من أضاعوا مصر وجعلوا عاليَها سافلَها.
الغريب أن معايير اختيار الشخصيات الموعودة بعضوية المجالس الإعلامية والصحفية، كما أشيع، كان لكفاءتها وخبراتها، ولا أعلم كيف لكفاءات وخبرات كانت سببا فى خراب الإعلام المصرى، ووصوله إلى الحالة المزرية التى وصل إليها، أن تكون قادرة ، كما قال بعضها، على الإبحار بسفينة الإعلام التى تعانى الغرق، وبما أتاح الفرصة للإعلام المعادى أن يسترد جزءا من جمهوره المصرى بسهوله؟!
ليس لدى تفسير إلا أن الأجندة القديمة وإن دارت الأيام وتغير الزمان ستظل حاضرة فى دولاب الدولة المصرية، وسيبقى الاختيار وتولى المواقع يدور فى فلك الأسماء المكتوبة فى تلك الأجندة ولو بقلم رصاص.