يوصد اليوم أبوابه فهو نهاية النهار وتبعد الشمس بعض الشىء ويزحف القمر فوق سطح الماء لكل شىء نهاية فها هو اليوم يرحل ومعه يرحل فصل صيفنا الطويل.. تداعب وجهك نسمة قادمة من فوق مياه النيل لترسل بروده يهتز لها جسدك المتعب.. ها هو الخريف قد حل فتلونت أوراق الاشجار بكل تلاوين البرتقالى والأحمر والأصفر.. من قال إن الخريف لا يعرف إلا اللون الرمادى فهو لابد أن يكون قادما من صحرائنا القاحلة.. للخريف تلاوينه وجماله كما هى الفصول الأربعة تسرق الألوان من قوس قزح.. ظلموا الخريف كما ظلموا النهايات دوما فليس كل النهايات حزينة بعضها مبهج أيضا.. ظلموه حتى قالوا «خريف العمر» ليتهم يدركوا أن ورقة العمر تسقط مع شيخوخة القلب فقط.. هو إذن خريف القلب وليس العمر.

•••

ها هم يصطادون اللحظة والأرض مكتنزة بتلاوينها يرسلونها رسائل حب للكون.. ها هم يقولون لك بين صوت سرقته نزلة برد قادمة مع دخول فصل جديد، أنهم سعداء بالتلاوين والتغيير لا يُبقى شيئا على حاله، يذكرونك أنت القادم من هنا حيث التحولات السريعة ونشرات الأخبار العاجزة عن مجاراتها.. جاء الربيع قالوا وسقطت خرائطكم وكنا قد ارسلنا لكم «نبيتنا» لتبشركم بالقادم الأحلى بديمقراطية الصناديق المذهبة، أليست الديمقراطية هى صناديق اقتراع فقط؟ هى إذن ورقة تسقطها فتتحول البلاد والعباد إلى ديمقراطيين حقا حقا.. لم يعد هناك معنى لأن تكون عربيا، هكذا رددوا فوقفت انت حائرا ومتسائلا لأنك لا تملك تعريفا غيره.. ولا تعرف إن لم تكن عربيا فمن تكون؟ سنى أو شيعى أو آشورى أو مسيحى روم أو مسيحى مارونى، كردى أو امازيغى أم ربما تعود إلى مدينتك الضيقة فتعرف نفسك بها بصراوى أو بغدادى، دمشقى أو عماني؟؟!! كيف سنعرف أنفسنا عندما تغيرت كل خرائطنا حتى خريطة الهوية ؟؟

•••

عدت مرة اخرى للديمقراطية التى كثر الحديث عنها حتى أن سائق التاكسى شبه المتعلم سألك يوما «يا مدام يعنى إيه ديمقراطية،» وكان قبلها قد أطربك فى مدحها.. تغيرت المفردات فصرنا نرددها كالببغاوات ونضع لها تعريفاتنا الضيقة أو المغلفة بالمصالح والجهل أو التشويه المتعمد.

•••

صديقى القادم من هناك حيث لكل فصل لون ورائحة وطعم خاص وضع على صفحته فى الفيسبوك تعريفا أوسع من تعريفاتنا الضيقة لتلك الكلمة السحرية التى تصورنها وبضغطة زر ستنقلنا من زمن الديكتاتوريات المتأصلة إلى زمن الانفتاح والمشاركة الكاملة!! قال إن الصناديق ما هى إلا شكل ضيق لذلك المفهوم، وقال إن فى بلاده الدنمارك صوّت 89% من الشعب فى الانتخابات الأخيرة وأن اكثر من 75% منهم ينتمون إلى نقابات وأن الصحة والتعليم متوافران وبشكل مجانى وأن الحد الأدنى للاجور فى الدنمارك ضعف ما هو فى الولايات المتحدة وختم بقوله «عندما يشارك الشعب بشكل فعال فى الحياة السياسية تصبح الحكومة ممثلة لكل الشعب وليس للأثرياء فقط»، لو كان عربيا لقال إنها ليست ممثلة فقط للطائفة أو القبيلة أو حملة الاختام والمشهرين نفاقهم والمتبجحين بقربهم من صانع القرارات المصيرية!!!

•••

حتى المفاهيم والتعاريف للمصطلحات أصبحت حسب الهوى والمصالح ففيما نزحف نحن ببطء شديد، متكئين على سنين من القحط السياسى وندرة أو شحة المشاركة فى صنع القرار، نحو ما ندعى أنه الطريق الأوحد نحو الديمقراطية، يراقبنا العالم بكثير من التشكيك واحيانا ربما بالموافقة على أساس أننا لا نستحق سوى أنماط مشوهة منها أو تعاريف ضيقة ومحصورة.. كيف لا ونوابنا منغمسون فى المفاهيم المصلحية الضيقة للمواطن غير مدركين لمعنى المجلس التشريعى ومفاهيمه ودوره وتحولوا إلى متسولين عند أبواب الوزراء طلبا لوظيفة هنا أو مصلحة هناك.. وراحوا يدغدغون مشاعر المواطن البسيط فى الحصول على حلم العمر بمنزل هنا وقضاء أمر هناك.. ولم يكتفوا بتوزيع البطانيات وأكياس الأرز والزيت فهذا داء ودواء الفقراء المعوزين الجالسين القرفصاء على أطراف العالم المراقبين لتلك الصناديق ببهجة شديدة لا يبددها إلا عندما يوقظهم أحد الدارسين والباحثين إلى حجم المكاسب المرتبطة بتلك التسمية «نائب» أو «نائبة»!!!

هذا ربيعكم وخريفكم بل كل فصولكم التى لا تشبه فصول غيركم ولا ديمقراطيتهم.. ستبقون وحدكم حبيسى تعريفاتكم المبسطة للتحولات القادمة.. يقول أحدهم ربما يدركون يوما أنهم خارج التاريخ وخارج الفصول الأربعة