اعداد/ أيمن أبو العلا
نشرت مؤسسة أكسفام وهى المؤسسة الخيرية الأكبر فى العالم تقريرا سلطت فيه الضوء على الجوانب الاجتماعية للأزمة فى مالى وسبل استغلال الفرص المتاحة فى ظل الأزمة الحالية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى بلد يعد من أفقر بلدان العالم.
بدأ التقرير بتساؤل مهم وهو «ما هى المساعدات اللازمة للخروج من الأزمة؟» وكانت السطور التالية لهذا التساؤل محاولة للتوصل إلى إجابة له. مالى بالفعل تحتاج إلى استجابة دولية لحل أزمات مثل الفقر والحوكمة. فعلى الرغم من أن مالى البلد الأفريقى المصنف الثالث عالميا من حيث إنتاج الذهب، نجد أن مواطنا ماليا من كل خمسة مواطنين يعيش فى حالة فقر مدقع. مؤتمر مساندة مالى الذى عقد فى بروكسيل فى الـ15 من مايو الحالى، والذى حضره وزير الخارجية المصرى محمد كامل عمرو، أعطى الفرصة لطرح ديناميكية عقد اجتماعى جديد للتنمية فى مالى. عقد يجب أن يناقش أولا بين السلطات المالية والمواطنين، حيث إن التنمية يجب أن تؤسس على حاجات ومصالح السكان الذين يجب أن يكون لهم دور محورى فى بناء مستقبلهم. الجهات المانحة كذلك لابد أن يكون لهم دور مهم يقومون به خلال الخمس عشرة سنة المقبلة. من الممكن أن تشمل مساعداتهم تحسين الحوكمة والشفافية للسلطات المالية. سيكون على الجهات المانحة أن تقيم أثر مساعداتها على مالى منذ 20 عاما وأن يعطوا نموذج بناء لمساعدة شفافة لا تغذى الأزمة لكن تساهم فى بناء سلام دائم.
●●●
العملية العسكرية الفرنسية ــ المالية فى شمال مالى المساندة من قبل جنود الـMISMA (المهمة الدولية لمساندة مالى) ستتحول بحلول شهر يوليو المقبل إلى MINUSMA أو مهمة حفظ السلم التابعة للأمم المتحدة. فى هذا السياق، السلطات المؤقتة فى مالى صرحت بتنظيمهم انتخابات رئاسية وأنهم يعملون على عودة الإدارة فى المنطقة الوسطى والشمالية من مالى. بالنسبة للجهات المانحة فلقد تمت دعوتها إلى تغطية الحاجات الضرورية الإنسانية، كما صرحوا فى معظمهم بتوجههم للمساعدة فى المجالات التنموية. مؤتمر بروكسيل لمساندة مالى تم عقده إذن فى توقيت حساس حيث يجب العمل على إيصال مالى إلى طريق التنمية والسلام.
يرى التقرير ضرورة تسليط الضوء على الفقر والحوكمة فى مالى حيث إنه حتى قبل الأزمة، مواطن مالى من كل 5 مواطنين كان يعيش فى حالة فقر مدقع دون أن يكون لديه إمكانية التحصل على حاجاته الغذائية. السكان يعانون من حالة هزال مزمنة؛ لقد عرفت مالى ثلاث أزمات غذائية خلال السبعة أعوام الماضية. 12 شهرا من الأزمة تسيطر فيها على البلاد حالة من انعدام الأمن وانتهاك الحقوق الإنسانية صعبوا بالتأكيد الأمر على مجتمعات الشمال. الخبراء يتوقعون إذا لم يجد جديد أن تكون مالى مع هذه الأزمة واحدة من ضمن الخمسة بلاد الأفقر على مستوى العالم.
●●●
من جهة أخرى ركز التقرير على فكرة «إعادة تشكيل الحوكمة أو الحاكمية فى مالى»، الأمر الذى يوضع فيه المواطن والقوى المعارضة فعليا فى قلب اتخاذ القرار. وتوصى أكسفام من أجل تحقيق التنمية فى البلد المنكوب بوضع عقد اجتماعى جديد بين المواطنين والسلطات فى مالى التى يجب أن تكون مسئولة أمامهم عن سياساتها. عن طريق هذا العقد الاجتماعى الجديد يجب على السلطات أن يقوموا بإعادة توزيع منافع استخراج الثورات الطبيعية، وأن يكونوا أكثر شفافية فى إدارة الشئون العامة، وأن يعملوا على الحد من الفساد.
لمساندة هذا العقد الاجتماعى الجديد، يجب على الجهات المانحة أن تستمر مساعداتهم خلال الخمس عشرة سنة المقبلة. هذا هو الوقت اللازم لإرساء قواعد الحوكمة والقضاء على الأسباب العميقة والمتأصلة للفقر فى مالى. يجب كذلك على الجهات المانحة أن تكون مثلا يحتذى به وتولى اهتماما خاصا بتطوير المجتمع المدنى والمجتمع المالى بشكل عام. يجب عليهم أن ينتصروا للشفافية عن طريق نشر النتائج المتوقعة فى إطار مشروعاتهم. وأخيرا ينبغى أن تكون المساعدات مبنية فقط على قاعدة واحدة، وهى قاعدة الاحتياجات السكانية مع البعد عن إثارة مصادر الصراعات، وهذا شرط لا غنى عنه فى عملية بناء السلام.
●●●
وقد طرح التقرير عدة توصيات لكل من السلطات فى مالى والجهات المانحة ومنظمات المجتمع المدنى. بالنسبة للسلطات المالية فقد دعاها التقرير إلى إعادة تشكيل الحوكمة فى البلاد وذلك للوصول إلى إدارة تتمتع بالشفافية وبالتشاركية فى إدارة الشئون العامة. دعاها كذلك إلى تنمية مواردها الخاصة عن طريق تبنى إصلاحات مالية عادلة بالنسبة للسكان. وأيضا تصميم خطة عمل فى مجالات تقليل حدة الفقر واحترام حقوق الإنسان والنهوض بالشفافية والمساءلة.
أما فيما يخص الجهات المانحة فقد أوصاها التقرير بتقييم نتائج وتأثير المساعدات الخارجية على أساس مدى مساهمتها فى تقليل حدة الفقر وتنمية الحوكمة. أيضا ضرورة تنسيق جهودها مع السلطات والمجتمع المدنى، والعمل على تعزيز قدرات القوى المعارضة وتخصيص ما لا يقل عن 5% من دعم الميزانية لتنمية هذه القوى. أوصاها كذلك بتعظيم مساعداتهم الإنسانية بشكل فورى للاستجابة لحاجات السكان الأساسية، كما أوصاها بالمرونة فى طرقها التمويلية لتضمن استجابة سلسة للحالات الطارئة.
وبالنسبة لمنظمات المجتمع المدنى فسيكون عليهم أن يعملوا على إظهار أصوات الفئات الأكثر ضعفا والأكثر تهميشا وذلك فى سبيل تطوير الحوكمة الداخلية للمجتمع فى مالى.
وفى الختام يجب على الأطراف المساعدة بوجه عام ألا يكونوا متحيزين فى تخصيص مساعداتهم ويضعوا نصب أعينهم الحاجات السكانية، ويجب أن يتأكدوا من أن مساعدتهم تتلاءم مع الأزمة وأن يساهموا فى عملية التصالح عن طريق برامج متخصصة لبناء السلام. ويجب على الإدارة المصرية الجديدة أن تهتم بمثل هذه التقارير وأن تسعى لمساندة الشعوب الأفريقية ولاستعادة الدور المصرى المفقود فى أفريقيا.