صور اليأس والأمل بانتظار من يحسمها - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:51 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صور اليأس والأمل بانتظار من يحسمها

نشر فى : الأربعاء 26 يوليه 2023 - 10:05 م | آخر تحديث : الأربعاء 26 يوليه 2023 - 10:05 م

ما أن يضع الإنسان ثقته فى أى شأن من شئون أمة العرب حتى يفاجئه ذلك الشأن بعد حين بانتكاسته أو بعبثية أو ببلادة بعض قادته. وسواء أكان ذلك الشأن حكوميا أو مجتمعيا فإن حجم وشدة المفاجأة سّيان، والأسباب، التى تجذرت عبر القرون، هى الأخرى واحدة.
كل مكونات تلك الصورة المحزنة المملة لا يعدو أن يكون مسببُها إما طغيانا أو فسادا أو خلافا طفوليا غير عقلانى أو تخلفا حضاريا فى الداخل، وإما أن يكون استباحة أو ابتزازا أو خيانة مركبة من الخارج.
وكلما تجرأ وضحى واستشهد الأحرار الشجعان من أصحاب الالتزام والضمائر والغيرة الوطنية والقومية فى سبيل تغيير وتحييد تلك المكونات حتى يواجهوا ببطش ومؤامرات حلف الداخل والخارج التضامنى من أجل إسكاتهم أو سحقهم أو بث الفتن والانقسامات فيما بينهم.
وهكذا، وفى كل مرة يبدو وكأن نورا سيشع فى بقعة من بقاع وطن العرب، حتى ينطفئ ذلك النور ويبدأ التخبط فى ارتكاب الأخطاء وسوء الفهم. نذكر ذلك ونحن نعيش المشهد العربى الحالى الذى يزداد ظلامه وتخبطه يوما بعد يوم، وذلك بالرغم من ظهور برق مبشر بين الحين والآخر. فالمشهد العربى الصادم يعرض يوميا شتى أنواع الانتكاسات الديمقراطية والنضالية الشعبية التغييرية فى ساحتين عربيتين كانتا تبشران بإمكانيات الوصول إلى عوالم الانتخابات النزيهة والبرلمانات الفاعلة المحاسبة، وتبادل سلطة الحكم، وتراجع تدخلات العسكر والاستخبارات فى السياسة، ويعرض انتكاسات الالتزام القومى التضامنى الرسمى تجاه من يحاربون ويضحون ويموتون على أرض فلسطين المحتلة، ويعرض انتكاسات التدخلات السافرة للاستعمار الغربى المنصهر فى المشروع الصهيونى فى كثير من بلاد العرب.
لكننا، ونحن ننظر إلى تلك الصور بصدق وموضوعية وبلا خوف من تعريتها الكاملة، نحتاج أن نرفع أبصارنا إلى سماء الأمل الفاعل ممثلا أولا بصعود المقاومات العربية المبهرة، من مثل تلك التى دحرت وأذلت من قبل التدخلات الأمريكية الشيطانية فى العراق، ومن هى فى طريقها إلى أن تدحرها فى سوريا، أو التى يزداد عنفوانها البطولى المبهر وهى تتحدى الوجود الصهيونى فى كل أرض فلسطين العربية التاريخية، أو التى نراها حتى فى لبنان المنهك حيث المرة تلو المرة تلبس القوى الصهيونية الغازية لباس هزيمة الخزى والعار، والتى نراها فى كل الوطن العربى حيث تستعد كثير من القوى للحاق بمواكب البطولات العربية الرائعة تلك.
وثانيا نرى ذلك الأمل الفاعل فى رجوع الفكر القومى العروبى، بزخم متصاعد، إلى شتى ساحات النضال السياسى العربى. وهو رجوع ظنت قوى الاستعمار الأمريكى والصهيونى أنه لن يعود وأن الذاكرة الجمعية العربية ستخرجه من روحها وأحلامها بعد موت بطل الجماهير الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
ويكفى أن يتابع الإنسان ما يكتب وما يقال عبر شبكات التواصل العربية بمناسبة الاحتفال بذكرى انطلاق ثورة 23 يوليو المجيدة وما حملته من أفكار وحدوية تحررية تقدمية، حتى يطمئن إلى أن شباب وشابات الأمة هم فى طريقهم ليدركوا أن لا طريق لأمة العرب إلا طريق وحدتها وتحررها وهيمنة فضيلة العدالة على كل مناحى حياتها، وليتبين لهم أن أخطاء الحركات والأحزاب القومية العروبية فى الماضى يجب أن تكون دروسا تعلمنا، لا أن تكون سببا فى التخلى عن المبادئ العظيمة التى طرحتها.
ستكون كارثة لو أن التنظيمات القومية العروبية، بشتى صورها ومستوياتها وأحجامها، لم تلحظ هذه الانعطافة الجديدة عند شباب وشابات الأمة، وتبدأ بالعمل فيما بينهم ومعهم من أجل خلق تيار عروبى وحدوى تضامنى فاعل يخرج الأمة من آلام ومخاطر الصورة الكارثية التى وصلت إليها بسبب الغياب الوجودى الفاعل لفكر وقيادة وعمل وتضحيات أجيال القوى القومية العروبية السابقة.
هناك قوى هائلة ضد هذا التوجه، ولكن هناك أيضا قوى هائلة معه، تنتظر من يجيشها وينظمها ويدفع بها فى ساحات النضال من أجل الوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والنهوض الحضارى المتجدد.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات