حتى الآن، مازلنا بعيدين عن المرحلة الأخطر لوباء إنفلونزا الخنازير.
معدلات الإصابة لم تتجاوز الرقم 20 حسب البيانات الرسمية والتى نرجو أن تكون صحيحة.
المرحلة الأخطر حسب وزير الصحة الدكتور حاتم الجبلى تبدأ حين تصل معدلات الإصابة اليومية إلى 300 إصابة، وهى للأسف مسألة يمكن أن تحدث بين يوم وليلة، أى أن نشاط الفيروس ليس تدريجيا، بمعنى أننا كى نصل إلى الرقم الخطر (300)، فإننا لا نحتاج إلى أن نستنفد خانة العشرات جميعها قبل أن نصل إلى آحاد المئات.
الخبر الجيد أن فيروس إنفلونزا الخنازير نفسه ضعيف، يمكن القضاء عليه بأساليب مقاومة نزلات البرد العادية؛ يعنى راحة ولمون ومخفضات حرارة ومضادات حيوية عند الضرورة.
الخبر السيئ أن اتحاد فيروس إنفلونزا الطيور مع إنفلونزا الخنازير هو الكارثة بعينها، لأنه فى هذه الحالة سنواجه هجينا شرسا وقاتلا فتاكا قد يصل ضحاياه ــ لا قدر الله ــ إلى مئات الألوف وربما ملايين الناس، وبما أن فيروس إنفلونزا الطيور استوطن الديار، فإن هذا الاحتمال المرعب يبقى قائما، ولا يفيد معه الركون إلى لذة الطمأنينة الخادعة.
حسب تصريحات وزير الصحة أيضا فإن المصل الواقى من فيروس إنفلونزا الخنازير سيصل إلى مصر مع نهاية الشهر، يعنى خلال أيام، 80 ألف جرعة لـ80 مليون مواطن، يعنى كل مليون مواطن سيتم تطعيم ألف منهم فقط، بنسبة واحد فى الألف!
وزارة الصحة طلبت 15 مليون جرعة من منظمة الصحة العالمية لمواجهة احتمالات زيادة معدلات الإصابة فى الخريف والشتاء، أى من الآن وحتى يناير المقبل، لكن منظمة الصحة نفسها مغلوبة على أمرها، وتشكو من سوء عدالة توزيع المصل بين الدول الغنية والدول الفقيرة، فقد حصلت الأولى على أكثر من 85% من المتاح منه، وأبقت 15% فقط لفقراء العالم فى أفريقيا وآسيا، وحتى هذه النسبة الضئيلة تحيط بها شكوك الجدوى والفاعلية.
هل تبدو الصورة قاتمة؟
طبعا، مثل كل الحقائق التى نتجاهلها حتى نفيق على وقعها الكارثى.
لكننا مضطرون أن نصدق التصريحات الرسمية التى تحدثت عن خطط مواجهة الفيروس فى حالة انتشاره، ومطالبون بأن نتبع كل الإرشادات الصحية الضرورية لمحاصرته، وبأن نتعامل بقدر أكبر من الهدوء والتحضر والإنسانية مع الأزمة.
مطالبون قبل هذا كله أن نرفع أكف الضراعة إلى الله أن يرفع عنا البلاء، وأن ندعوه فى صلواتنا بالمساجد والكنائس أن يزيح عنّا هذا الكابوس المرعب.
مطالبون أخيرا ودائما أن نستخلص عبرة ما من كل أزمة: الدول الغنية الفتية الذكية، التى تحترم العلم والعلماء، وتنفق عليهما بلاحدود، هى الأقدر على مواجهة الأزمة، أى أزمة.
الدول الضعيفة الفاسدة المنهوبة، غزيرة النسل شحيحة الموارد، ستبقى فى انتظار الفتات، فى انتظار جودو.. الذى قد لا يجىء أبدا.