أصحاب ولا أعز من نتفليكس - معتمر أمين - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:40 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أصحاب ولا أعز من نتفليكس

نشر فى : الجمعة 28 يناير 2022 - 9:40 م | آخر تحديث : الجمعة 28 يناير 2022 - 9:40 م

فجأة تناولت مواقع التواصل الاجتماعى فيلم أصحاب ولا أعز، وأصبح الموضوع ترندا أو تيارا على مختلف المواقع. وزادت تعليقات بعض المشاهير من الفنانين من تدفق التيار على أشده. وشاركت شخصيات عامة ونواب برلمانيون فى الترند.

ولم يكن كل هذا ليفوت بعضا من برامج التوك ــ شو، فأدلت بدلوها فى الترند. وانقسم الناس لغالبية تهاجم وأقلية تدافع عن الفيلم والفنانين المشاركين فى العمل. ثم طغت مسألة الهجوم على الفنانين، وانصب الهجوم على واحدة منهم بأكثر من الباقين، وطال الهجوم صفحتها الشخصية، وحتى صفحة زوجها. وفى تيار مثل هذا لن يتوقف الموضوع على كونه فنا وفيلما، ولكن التيار حوله إلى قضية عامة. علما بأن الفيلم لم يعرض على أى وسيلة إعلام مصرية، ولا أى وسيلة تحت طائلة القانون المصرى، ولا توجد جهة رقابية على وسيلة العرض تلك، ولا سلطة غير السلطة الأدبية للجمهور، الذى منحته تلك الوسيلة الرخصة ليرى ما يختاره هو، ويستحسن ما يشاء، ويرفض ما يشاء، بدون أى رقيب، أو متابع، إلا قيمه هو. من فضلك أعد قراءة الجملة السابقة، فهذه هى النقطة العمياء. وقبل أى تناول للفيلم إليك النقطة التالية، الفيلم من إنتاج نفس الشركة التى تملك وسيلة العرض، التى هى واصلة عن طريق الإنترنت وتدخل إلى كل بيت، وكل جهاز محمول، بمنتهى اليسر، وباشتراك شهرى بسيط. ولو كنت لا تعلم فالترند المستتر الآن هو ارتفاع نسب مشتركى موقع نتفلكس. هذا وقد تفقد منصات أخرى محلية قائمة على عرض الأفلام والمسلسلات نسب المشاهدة إذا استمر نتفلكس فى عرض المحتوى الجرىء الذى يجذب الجمهور، بينما منصاتنا المحلية لا تفعل ذلك. 

رد نقابة المهن التمثيلية على الموضوع جاء كالمتوقع للدفاع عن الفنانين والعمل الفنى. وقالت النقابة فى بيان لها «النقابة لن تقف مكتوفة الأيدى أمام أى اعتداء لفظى أو محاولة ترهيب معنوية لأى فنان مصرى أو النيل منه، نتيجة عمل فنى ساهم فيه مع مؤلفه ومخرجه». وهنا نقطة أخرى عمياء. فلا الفيلم قصة مصرية، ولا الفيلم إبداعا محليا، وكله مستورد. فالفيلم نسخة معربة من فيلم إيطالى تم عرضه على نفس منصة نتفلكس ذاتها. وبعد نجاحه، قررت الشركة إنتاجه باللغة العربية، وتوسيع قاعدة الجماهير التى تخاطبها. ولقد نجحت الشركة أيما نجاح، وأصبحت الترند المستتر الذى ينمو وراء الفيلم. أما الجمهور المفعول به، فسيأخذ يومين على أكثر تقدير ثم سيأتيه تيار جديد يأخذه إلى موضوع آخر. وأقرب موضوع مرشح هو مباراة مصر وكوت ديفوار فى كأس الأمم الأفريقية. ليس مهم نتيجة المباراة ولكن المهم أنها ستأخذ الجمهور إلى مكان آخر تماما. علما بأن الجمهور المصرى لا يتابع المباراة على أى وسيلة محلية، وإنما باشتراك شهرى عبر منصة إعلامية أخرى. وإن لم يكن مشتركا، فعليه المتابعة فى أى كافيتريا تعرض المباراة، بدون الاكتراث لتصاعد أعداد مصابى الكورونا هذه الأيام. ولنتذكر أن مصر وثلاث دول شقيقة حاولت من قبل ترويض منصة بى إن سبورت، التى تعرض بطولات كرة القدم العالمية والإقليمية، وسحب البساط منها، ولكن المنصة استمرت بنجاح إلى الآن، داخل البيوت، وعلى المحمول. وتوجد تجارة قائمة على مواقع تسرق المحتوى وتعرضه مجانا، ولا أعراف من أين تأتى تلك المنصات بالدخل اللازم، وما هو العائد عليها. لكن هذا موضوع آخر.

نعود للفيلم والذى تناول قضايا شائكة قالت عنها نقابة المهن التمثيلية، «دور الفنون والقوى الناعمة أن تعالج القضايا الشائكة، وأن تدق ناقوس الخطر على ظواهر كثيرة قد تتسرب لمجتمعنا، ويجب أن يتصدى لها فنانو مصر ومبدعوها بأعمالهم، والتى تكشف كثيرا منها وتعطى رسالة لتنبيه الجميع، وهذا هو دور الفن فى عمومه، ودور فنون التمثيل خصوصا». ولكن المشكلة هى ميوعة الخط الفاصل بين عرض القضايا من جانب والترويج لها من جانب آخر. ولذلك دور الفن، الذى هو المحتوى الواصل إلينا عبر الأعمال التى نشاهدها على أى وسيلة عرض، هو لب الموضوع. فلو أن العمل الفنى يساعد على التصدى للظواهر الشاذة فى المجتمع، فأهلا به. ولقد لعب الفن أدوارا هائلة وعكس ما يجرى فى المجتمع، وكان دائما ما يتصدى للقضايا الاجتماعية والسياسية وحتى الدينية التى تدور فى المجتمع. والسينما فى هذا الصدد لا تسبق الناس، ولكن تعرض ما يدور من حولها. ولكن المسألة الآن ليست السينما. فكما تقدم فى أول فقرة، الفيلم ليس إنتاجا مصريا، والمحتوى منقول عن مجتمع آخر، والعرض ليس فى السينما وإنما فى البيوت. ولكن هل يعنى ذلك أن قضايا مثل التى أثارها الفيلم ليست موجودة فى مجتمعنا؟ التحدى هنا هو كيف يعرض الفيلم لقضايا شائكة تمس الحياة الزوجية. ثم التوغل فى بعض تفاصيلها مما لا يمكن تصوره فى حوار بين أصدقاء مهما كانت درجة القربة بينهم. وإذا كان بوسع بعض الأصدقاء الحديث عن أمور كهذه، فمن المستبعد أن تكون بين الأزواج عينى عينك بهذه الطريقة التى جاءت فى الفيلم. 

وفى هذا المقام نتوقف أمام فكرة رئيسية فى الفيلم وهى المكاشفة. فالقصة تدور حول الدور الذى يلعبه المحمول فى حياتنا، مما سهل التواصل المستتر بين الناس. وفتحت هذه الوسيلة الطريق على مصراعيه أمام من يبحث عن أمر عزيز لديه ليحاول أن يجده فى عالم التواصل الاجتماعى. ولا حصر للأمثلة، والفيلم يلمح لبعض من الأمور، منها حالة الزوجين الذين يمرون فى أوقات فتور وتباعد، بينما ظاهريا تبدو الأمور على ما يرام، أو كما يقول المثل البيوت أسرار. وبينما تجاوز الفيلم فى عرض الموضوع وتطرق لمسألة المثلية والشذوذ الجنسى، وهو ما أثار الحفيظة، وزاد من تفجير قضية الفيلم. ولكن لنعود لمسألة المكاشفة فى الحياة الزوجية، وهى مربط الفرس الذى يحاول الفيلم التنبيه إليه، ونسأل هذه المرة ليس عن كيف تعرض قضية مثل هذه فى أى فيلم، ولكن نسأل لماذا الآن؟ لاحظ أن الفيلم فى نهايته أوضح أن كل ما تم عرضه من حوار ومواقف بين أبطاله الجالسين سويا على العشاء هو مجرد فنتازيا ولم تحدث. ولكن الفيلم أوضح أن الشخصيات فى الفيلم عادت بعد العشاء لتجد سلوتها فى التواصل عبر خاصية الرسائل فى منصات السوشيال ميديا. فهل هذا يشجع الأزواج خصوصا والمجتمع عموما على التواصل المستتر أم يلفت الانتباه إلى هذا الشأن؟ وهل ترتفع حالات الطلاق بسبب الرسائل المستترة هذه أم بسبب الطلاق الشفهى؟ وهل الحكاية أعمق من ذلك وهى اكتشاف الزوجين عدم التوافق بينهما بعد العشرة؟ الفيلم لم يجب عن الأسئلة ولكنه فجر القضية وتركها عند المكاشفة، ثم نبه للاتجاه الذى يسير فيه المجتمع بالرسائل المستترة، والباقى على المجتمع.

باحث فى مجال السياسة والعلاقات الدولية

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات