برحيل المفكر والقامة القانونية الكبيرة الأستاذ رجائى عطية نقيب المحامين وشيخهم، نكون قد فقدنا رمزا لجيل وطنى ظل يعمل من أجل «الحق والخير والجمال» إلى الرمق الأخير من حياته، فقد شاء الله للراحل الكريم أن يغادرنا واقفا فى محراب العدالة، وهو يدافع عن زملائه فى ساحة القضاء، منتصرا لجموع المحامين الذين ينتمى إليهم قلبا وعقلا وروحا، قبل الانحياز إلى قضاياهم العادلة.
كان طبيعيا، فى ضوء حرصه على توفير الحياة الكريمة لزملائه أن يكون آخر قراراته :«رفع الحد الأدنى لمعاش المحامين ذوى المكاتب أو أسرهم إلى ما لا يقل عن 1000 جنيه، بعد أن بلغت المعاشات القديمة «من الهبوط حدا لا يكفى غداء يوم، حتى وصلت بعض تلك المعاشات إلى مبالغ تتراوح بين 200 إلى 500 جنيه» حسب القرار، قبل تأكيده أن «السكوت عن هذا جريمة فى حق الزملاء وأسرهم، وفى حق الإنسانية».
حضور رجائى عطية الطاغى لا يقتصر على المحامين، إذ يتخطى تأثيره الفكرى والإنسانى حدود مهنته التى برع فيها، إلى ساحات الأدب وميادين الثقافة، مؤلفا بارعا لعشرات الكتب القانونية والفكرية، ومساهما برأيه فى العديد من القضايا والتحديات التى واجهت مصر خلال عقود طويلة، فقد كان الراحل الكبير موسوعة ثقافية، وقامة قانونية، ومحاميا بارزا لا يشق له غبار، ومفكرا إسلاميا مستنيرا، يتحلى بالتسامح والود ورجاحة العقل.
جمعتنى بالراحل الكبير القليل من المناسبات لكنها كانت كفيلة بأن تولد شرارة المحبة، وعظيم الأثر، فقد نلت شرف المشاركة إلى جواره، منتصف عام 2018، فى حفل تأبين نظمته إذاعة «صوت العرب» للإعلامى الكبير والأيقونة الإذاعية الأستاذ أحمد سعيد، يومها لمست مدى ما يتحلى به الأستاذ رجائى من رقة المشاعر وفرط الإحساس، فقد دخلت كلماته عن أحمد سعيد إلى القلوب مباشرة، وحركت عواطف وطنية جياشة وسط الحضور.
وكما اختار «الشروق» نافذة لطرح آرائه فى العديد من القضايا، وآخرها عن «حقوق المرأة فى الإسلام»، كان لإذاعة صوت العرب نصيب من عطائه، فقدم عبر أثيرها برنامج «مع الله» وهو نموذج لما يجب أن تكون عليه الدعوة إلى الله، بسمح الكلام، وعذوبة الحديث، وعمق الأفكار، واعتدال الرؤية، والبعد عما لا ينفع الناس، وعدم إغراق المستمع بتفاصيل ما لا يلزم من استرسال.
وعن إطلالته الإذاعية «مع الله»، تقول الدكتورة لمياء محمود، رئيسة شبكة إذاعة صوت العرب إن فكرتها بدأت فى 30 يونيو 2018، خلال حفل تأبين أحمد سعيد، على الرغم من أن علاقة الأستاذ رجائى بالإذاعة أقدم من ذلك بكثير، فهو زوج شقيقة سعد زغلول نصار، ثالث رئيس لإذاعة صوت العرب، (1971 ــ 1976)، ووقتها كان يحضر مع الأستاذ سعد لمقر الإذاعة بشكل شبه يومى للمشاركة فى العديد من البرامج.
أما «مع الله»، والكلام للدكتورة لمياء، فهو برنامج قديم من تراث صوت العرب، وكان له تتر مميز بصوت سعد زغلول نصار، لكنه توقف لسنوات، وفى 30 يونية عام 2018 عندما شارك الأستاذ رجائى فى تأبين أحمد سعيد، وقد بدا عليه التأثر بالمناسبة، « طلب منى شيئين: الأول أن أقدم حفل تأبينه، فدعوت له يومها بالصحة وطول العمر، أما الشىء الثانى أن يقدم برنامج «مع الله»، بالتتر ذاته الشهير».
وفى الدورة البرامجية التالية مباشرة، يوليو 2018 بدأت رحلة رجائى عطية «مع الله» عبر أثير صوت العرب، حيث ظل يقدمه بعد ظهر يومى الجمعة والسبت من كل أسبوع، وبشكل يومى خلال شهر رمضان، وهذا العام سجل الراحل 15 حلقة من البرنامج قبل وفاته وستقوم «صوت العرب»، كما تقول الدكتورة لمياء، بإذاعتها مع حلقات أخرى من سنوات سابقة، فى رمضان المقبل إن شاء الله.
رحم الله الأستاذ رجائى عطية، وخالص العزاء لأسرته الكريمة، ولجموع المحامين، وجميع المصريين.