سؤال يفجره منتدى عمان الأمنى الـ13 - معتمر أمين - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:33 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سؤال يفجره منتدى عمان الأمنى الـ13

نشر فى : الأحد 28 نوفمبر 2021 - 7:40 م | آخر تحديث : الأحد 28 نوفمبر 2021 - 7:40 م
اختتم منتدى عمان الأمنى الـ13 أعماله يوم 18 نوفمبر الجارى، بحضور ممثلين عن منظمات دولية، وجامعات إقليمية، والعديد من الشخصيات الدولية. فى الجلسة الثالثة من المؤتمر جاءت كلمة العميد عوض الطراونة، رئيس كلية الدفاع الوطنى فى القوات المسلحة الأردنية، أشار فيها للتهديدات الإقليمية وما تحتمه من توسيع بيئة التعاون الأمنى بين دول المنطقة لضمان التغلب على التحديات. وأردف قائلا أن الإرهاب من أخطر التحديات الأمنية. إلى هنا كان الكلام متوقعا، لكنه تطرق لنقطة أخرى تستدعى الانتباه حيث شرح مخاطر الفضاء السيبرانى فى ظل توسع تطبيقات الذكاء الاصطناعى، وخطورة الهجمات السيبرانية على أمن الأوطان. ونظرا لضيق الوقت، انتهت الجلسة بدون أسئلة.
فى أروقة المنتدى توجهت للسيد العميد وبادرته بسؤال حول رؤيته للأمن السيبرانى، فقال، إنه من أكبر تحديات العصر، وإن ما نراه ونسمع عنه من هجمات هى رأس جبل الجليد التى تطفو فوق السطح. سألت العميد حول إشكالية تعرض دولة للهجوم السيبرانى على يد أفراد لا يمثلون دولا، ولكن يمثلون فاعلين من دون الدول فقال، علينا تقفى أثرهم ومعرفة الأرض التى تنطلق منها الهجمات. فتساءلت، ما هو ذنب أو مسئولية الدولة التى تنطلق منها هجمات فردية تستعمل الفضاء الإلكتروني؟ أليس هذا تحميلا للدول بأكثر مما تحتمل الأمور؟ فأجاب أن الدولة مسئولة عما ينطلق من أراضيها من هجمات، وعليها متابعة فضائها الإلكترونى لضمان عدم الإضرار بدول أخرى.
انتهت إجابة العميد وبدأت الحيرة حول هذا الأمر. ولمزيد من التوضيح حول هذه الإشكالية، نضرب مثالا بالانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016. فلقد اتهمت الولايات المتحدة الجانب الروسى بالمسئولية المباشرة التى أدت للتلاعب فى نتائج الانتخابات. ونفت روسيا التهمة نفيا قاطعا قائلة إن الدولة وأجهزتها لم تقم بأى من هذه الأعمال. أشار الرئيس بوتين فى معرض رده على سؤال مكرر حول هذا الأمر باحتمال وقوف شركات أو أفراد متواجدين على الأراضى الروسية وراء هذه الأعمال. لكن هل يسمح هذا للولايات المتحدة توجيه ضربة سيبرانية كرد فعل إلى دولة روسيا؟ وفى السياق ذاته، ماذا لو كانت الهجمات تنطلق من أراضى دولة قوية إلى أخرى لا تستطيع رد الهجوم؟ أو كانت دولة بعيدة من قارة أخرى، تم استخدامها للدخول للفضاء الإلكترونى، ثم توجيه ضربة إلى دولة أخرى! كل هذه الاحتمالات تبقى مفتوحة بلا إجابة حاسمة تقنع الدول ومسئولى الأمن. فالفضاء الإلكترونى ليس كالأرض الجغرافية.
•••
هناك إشكالية أخرى حول حجم الضرر الناتج عن الهجوم السيبرانى. وبما أن منتدى عمان الأمنى الـ13 تناول بعمق مسألة الأمن النووى، والحد من انتشار الأسلحة النووية، سواء بامتلاكها، أو منع تجاربها، فإن مزج فكرة السلاح النووى بالفضاء الإلكترونى هو مكمن الخطر. فماذا لو نجح فرد أو جماعة عابرة للحدود فى إحداث ضرر بمنشأة نووية، أو منشأة تحتوى على أسلحة دمار شامل. ولمجابهة هذا الخطر، بعض الاستراتيجيات الأمنية تعتمد على فصل شبكة المعلومات الداخلية فى المنشآت النووية عن شبكة الإنترنت العالمية. ولكن هذا لم يمنع استهداف وإصابة مفاعلات نووية، مثل مفاعل ناتانز الإيرانى بهجمات سيبرانية متكررة، وتم الاستهداف عن طريق الملفات التى يجرى نقلها بوسائط إلكترونية، مثل شريحة الذاكرة، أو الأسطوانات المدمجة، والتى استطاع الفيروس الإلكترونى اختراقها والانتقال عبرها إلى شبكة المفاعل الداخلية وإحداث أضرار جسيمة. وتميزت هذه الهجمات بعدم إحداث ضجيج، فلا أحد شعر بالفيروس الإلكترونى وهو يتسلل، ولم ينتبه أحد للأمر إلا بعد اضطراب أجهزة الطرد المركزى فى المفاعل، وتحطم العديد منها بعد أن زادت سرعتها بطريق كارثية. وليس بوسع أحد التكهن بحجم الأضرار التى يمكن أن تقع، أو مداها الزمنى. الإشكالية هنا لا تقتصر على حجم الضرر، ولكن أيضا فيمن يقف وراء الهجمات. وطالما كانت الجهة هى دولة من مجتمع الدول، فإن أساليب الردع المتبادل القائمة على توازنات القوة قد تؤتى ثمارها. لكن ماذا لو كان الفاعل ينتمى للفاعلين من دون الدول!
•••
خطورة الفضاء الإلكترونى هو إتاحة الفرصة للدول والفاعلين من دون الدول على حد سواء للقيام بأفعال عدائية، والاعتداء على أطراف دولية. وإذا كانت الدول تتحلى بنوع من الرشادة تحكم القرار السياسى، ونوع من العقلانية تدرك حسابات القوى ومخاطر الاعتداء ورد الفعل، فإن منطق وعقلانية ورشادة الفاعلين من دون الدول قد يكون مختلفا ويخضع لحسابات أضيق بكثير، وبالتالى قد يقدم فاعل من دون الدول على أفعال غير عقلانية من وجهة نظر الدول ولكنها قمة الرشادة من وجهة نظر أخرى ضيقة. وقبل انصراف الذهن وتصور وقوف إرهابى «منفرد» أو «جماعة جريمة منظمة» وراء هجوم من هذا النوع، فلنتذكر أن الشركات التكنولوجية العاملة فى مجال الاتصالات، والعاملين بها، هم أيضا من الفاعلين من دون الدول القادرين على تنفيذ نفس هذه الهجمات. وهذا بالضبط ما تقوله روسيا عن الجهة المسئولة التى تقف خلف الهجمات التى استهدفت الانتخابات الأمريكية. وعلى الجانب الأمريكى نفسه، فإن النشطاء فى مجال الفضاء السيبرانى لا يقلون خطورة. ومن أشهر الأمثلة حالة إدوارد سنودن الموظف السابق لدى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، الذى عمل كمتعاقد مع وكالة الأمن القومى الأمريكية وقام بتسريب تفاصيل برنامج التجسس «بريسم» إلى الصحافة فى يونيو 2013. وهو ــ كما نرى ــ فاعل من دون الدول، أضر بدولته عن طريق تسريب معلومات أمنية حساسة. وللعلم البعض يعتبره بطلا والبعض الآخر خائنا. وبحسب منطق سنودن كان هدفه توعية الجمهور عما تقوم به وكالات الأمن من التجسس على المواطنين والمواطنات، وهو ما اعتبره اعتداء مستترا على المواطنين والمواطنات وقرر فضح تلك الممارسات لتوعية الجمهور. السؤال، ماذا لو قرر سنودن آخر يعمل فى موقع نووى توجيه رسالة للعالم؟
معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات