فلسفة الكسل.. فن إدارة الطاقة! - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:42 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فلسفة الكسل.. فن إدارة الطاقة!

نشر فى : الإثنين 29 يوليه 2024 - 7:40 م | آخر تحديث : الإثنين 29 يوليه 2024 - 7:40 م

 يلومنى كثير من الأصدقاء على عدم انتظامى أخيرًا فى كتابة المقالات، وغيابى المتكرر على عكس عادتى طوال نحو 18 سنة مضت.
والحقيقة أنه لا يوجد لدىّ مبرر مقنع أواجه به هؤلاء العاتبين سوى (الكسل) الذى يراه معظم الناس عيبًا، وأراه من منظور الروائى العربى الشهير «ألبير قصيرى» كـ«فلسفة خاصة وفن متقدم لإدارة طاقة الجسم»!
وبما أن هذه الفلسفة فلسفة غامضة بالنسبة لمعظم الناس دعونى أحكى لكم هنا حكاية «ألبير قصيرى» الرجل الذى وُلد قبل نحو 112 سنة ولُقّب بـ«فيلسوف الكسل» فى زمنه.
ففى فندق «لو لوزيان» وسط العاصمة الفرنسية باريس، وتحديدًا فى الغرفة رقم 58 أمضى «قصيرى» نحو 60 عامًا من عمره الطويل بعد أن ترك وطنه «مصر» لبدء حياة جديدة.
لم يكن «ألبير» يغادر غرفته الفندقية الصغيرة إلا نادرًا وتحت ضغط من دعوات جهات أدبية ودور نشر لتكريمه ومنحه أرفع الجوائز الأدبية فى فرنسا.
وطوال الستين عامًا التى قضاها فى غرفته لم يُنتج سوى ثمانى روايات تُرجمت إلى أكثر من 15 لغة!
كان هذا الروائى الظاهرة لا يصحو فى النهار أبدًا؛ حيث يبدأ يومه عند غروب الشمس وينتهى وقت شروقها حتى إنه اعتذر عن استلام جائزة ثقافية كبرى، لأن موعد تسليمها كان فى العاشرة صباحًا، وهو وقت نومه!
المثير أن أشهر روايات «ألبير قصيرى» كانت تتناول الكسل كفلسفة حياة، وعلى رأسها روايته الشهيرة «كسالى الوادى الخصب»، ومن أشهر أقواله: «كم هو مؤسف أن تستيقظ كل صباح لترى أشكالًا تسد النفس».
ويبدو أن كسل هذا الروائى الاستثنائى كان سببًا رئيسيًا فى حصوله على العديد من الجوائز؛ لعل أشهرها جائزة جمعية الأدباء عام 1965، وجائزة الأكاديمية الفرنسية للفرانكفونية عام 1990، وجائزة أوديبرتى عام 1995، وجائزة بوسيتون لجمعية الأدباء عام 2005، وبسبب كسله الاستثنائى أيضًا مُنح العديد من الألقاب، أشهرها: «فيلسوف الكسل، فولتير النيل، رائد أدب المهمشين، أوسكار وايلد الفرنسى، وباستر كيتون العربى».
والحقيقة أننى كلما سمعت أحاديث الأصدقاء المهتمين بـ«علم الطاقة»، وهو كما يصفه خصومه «علم وهمى» يحظى بشعبية كبيرة بين الكسالى فى مختلف أنحاء العالم، تذكرت حكاية «ألبير قصيرى» إذ إنه مثال حى على ما يُسمى بـ«قانون الجذب» فقد جذب النجاح والجوائز العالمية، وهو يتمشى بين سريره وطاولته فى غرفته الفندقية طوال عقود!
لكن فى المقابل تذم معظم العقائد والثقافات (الكسل) بل يُعتبر من الموبقات الكبرى فى المسيحية؛ حيث تصنفه ضمن (الخطايا السبع المميتة) أو (الذنوب الكاردينالية) فى الكاثوليكية الحديثة، وهى: «الفخر، الجشع، الحسد، الغضب، الشهوة، الشراهة، والكسل».
أرى وهذا (رأى شخصى ليس ملزما لأحد) أن التعامل مع «الكسل» بحذر وفن، قد يفيد ولا يضر باعتباره فنًا لإدارة طاقة الجسم، وهذه المعادلة تنطبق على أشياء كثيرة فى الحياة، فالشجاعة على سبيل المثال هى «فن إدارة الخوف»، وكذلك فإن النبل ليس سوى «فن إدارة الكراهية»، وعلى هذا المنوال يمكننا أن نقيس مدى استفادتنا أو تضررنا من أى سلوك نختاره لأنفسنا أو يختارنا هو دون أن نشعر خلال سيرنا فى متاهات هذه الحياة وبضغط من متغيراتها.


هانى الظاهرى
جريدة عكاظ السعودية

التعليقات