عفوا ولكنه الحلم الذى لا يموت - خولة مطر - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 4:06 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عفوا ولكنه الحلم الذى لا يموت

نشر فى : الأحد 30 أكتوبر 2016 - 10:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 1 نوفمبر 2016 - 11:18 ص

لم يمت الحلم بعد رغم كثرة المنظرين والمطبلين وغيرهم من الواقفين دوما عند حافة الانتهازية فتنوعاتها ونماذجها الأكثر تطورا واحترافية. لم يمت الحلم بعد، مهلكم عليه هذه ما هى سوى الخطوة الأولى.. ما هى سوى الموجة الأولى فالتاريخ يحدثنا طويلا عن موجات تتابع ربما بعد سنين، ربما بعد عقود ولكنها تبقى تلاحق حتى تأتى الموجة الكبيرة أو التسونامى وهناك ستغتسل الأرض بعرق أهلها وربما بعض أو كثير من دمهم ولكنها بذلك تنفض كل ما علق بها وبسمائها وهوائها من شوائب لعقود طويلة.. هناك حاجة دائمة لإعادة قراءة التاريخ بتمعن ومن أكثر من مصدر حتى يدرك المرء أن التاريخ ليس كل ما يكتب أو يدرس فى المدارس المرسومة بدقة لتبقى الأدمغة حبيسة الجهل والاتكالية وقتل الحريات باسم إما المحافظة على الأصالة أو التراث أو العادات أو حتى النظام السياسى.

•••

قالوا وأعادوا.. لقد مات الحلم أو ربما وئد أسرع من تلاحق الأنفاس فى صدر متعب.. ربما هذا ما يتمناه البعض إلا أن التاريخ والواقع لا تصيغه الأمانى بل العمل الكثير، الجاد والمرسوم بتفاصيله وأحيانا حتى باندفاعات بشرية أقوى من أى قائد ملهم أو زعيم وضعت صورته فوق العديد من الصور المتلاحقة التى رفعت واحدة تلو الأخرى، أو حتى أمير أو ملك ارتخى حتى استكان فى كرسيه الوثير المريح جدا! بعض من أمانيهم تتحقق بكثير من المال والهدايا المغلفة أيضا بتسميات أو ألوان تبدو فى اطارها الخارجى طبيعية جدا ولا تشوبها الشائبة ولكن مضمونها هو كثير من البيع والشراء فهذه ثقافتهم وهكذا هم يفكرون أن لكل إنسان ثمنا كما هى البضائع حتى عالية التكلفة فهى أيضا لها ثمن ربما أعلى بعض الشىء من الآخرين.

كان الحلم حيا جدا يزهر ورد وسلاما على الميادين والساحات وحتى الأزقة التى كانت حتى ذاك اليوم معتمة فما لبثت أن عادت لتنشر النور المقبل من رحم التراكمات الطويلة ومن عشق كثيرين للأرض، للوطن الذى يريدون فما لبث وأن أصبح مجرد مسخ! أوطان كانت جامعة جدا ضد عدو معروف، عدو بعينه لا ثالث له.. وطن بملامح واضحة ربما انهكتها الأيام والسياسات الباليهة ولكنه بقى هو الوطن الجامع حتى أكثروا هم من انتهاكه وراحوا يمارسون عليه فعل المزرعة الخاصة أو المرعى بكثير من القطعان وبعض من البشر يحكمون ويصدرون الأنظمة والقوانين حسب رؤيتهم الضيقة وبهدف حماية العروش المتهالكة.. ثم لا يلبثون أن يوزعوا المكارم ليس بالتساوى حتما فكيف يتساوى الناس وهم ليسوا كأسنان المشط؟! رغم أن دينهم علمهم كثيرا أنهم متساوون حتما وأنه لا فرق بين أعجمى وعربى إلا بالتقوى! قال لهم دينهم ذلك وعلمهم إياه أيضا ولكنهم انتقائيون حتما، يختارون من الكتب المقدسة ما يناسب مقاييسهم الضيقة العالقة فى العصور الوسطى ومراحل ما قبل الجاهلية.

•••

قد تخبو روح الحلم أحيانا.. قد يغيب هو عن المنامات الخفيفة ولكنه حتما لا يفنى ولا يموت طالما هناك آلهة نقية تدافع عنه وتبقيه حيا متوهجا كمصباح فى ظلمات الظلم والتسلط وانعدام أو فقدان العدالة بكل أنواعها وأنماطها وتفاصيلها.. فالحلم رديف العدالة والأحلام المغروسة فى أرض العدالة لا يمكن الا أن تنبت زهرا وبنفسج وياسمين.. أما الأمنيات المغمسة بالمال وما يلمع من ذهب وغيره فهى حتما قصيرة الأمد وإلى الزوال.

يبقى الحلم حبيس القلب المنهك بتعب الانتظار الدائم فقد شاب الشعر وكثرت تجاعيد الوجه ولايزالون فى انتظار أن يصبح الحلم واقعا وأن يخرج من قفص القلب إلى متسع الحياة وأن يتوسع ليصبح بمساحة الأرض والبحر والمحيطات معا وأن ينتشر كالعدوى الصحية فيشعل ذاك السهل الممتد حبا وموسيقى، وكثير بل مزيد من الأحلام المتلاحقة تطارد الصور السوداوية توقفها عند تلك النقطة حتى تنهيها أو ربما تدفنها وتقرأ عليها كل النصوص الدينية فى الكتب السماوية وغيرها أو ربما تحرقها كما يحرق الموتى ويرمى برمادهم فوق السهول وعلى ضفاف الأنهار والبحيرات أو حتى عند شواطئ البحار الممتدة.

•••

فلولا الأحلام لما تقدمت البشرية كلها ولما أستطاع أحدهم أن ينشر الكهرباء وآخر أن يأتى بالأدوية للأمراض المستعصية أو أن يكتشف الأراضى البعيدة يمنحها أحيانا أسماء حقيقية وأحيانا أخرى يسميها حسب رؤيته فى الحلم رغم أن حلمه هو قد لا يكون هو حلم أهلها.

تتقاطع كثير من الأحلام أحيانا ويتسابق الشباب فى أحلامهم اليافعة المليئة بالحيوية والنشاط فيما هم لايزالون ينشرونها هنا وهناك فلم يعد الخوف هو رديف الحلم بل إن كثيرا من الأحلام قد كسرت كل الحواجز حتى ذاك المسمى الرقيب الذاتى أو الجلاد.. فتح الفضاء الافتراضى مساحات واسعة لتغرد فيها الأحلام كالعصافير دون استئذان من أحد.. العصافير التى تجلس عند حافة شرفتك فى صباحات الأيام مرسلة تغريداتها وما تلبث وأن ترحل كما غطت سريعا أو أن تخلق لها مسكن مؤقت أو دائم فى زاوية خاصة جدا.. هكذا هى الأحلام كالعصافير تجلس متربعة فى أعمق مكان بالنفس وتتسع مع الوقت دون أن تستأذن حتى صاحبها ودون أن تخاف أن يسرقها أحدهم أو يسلبها أو حتى يقتلها مع سبق الاصرار والترصد.

•••

لاتزال هناك الكثير من الأحلام بل الملايين منها تتراكم فى فعل قد يأتى لتفيض الأحلام كلها وتخرج يوما بعد يوم إلى واقع الحياة تسعى الأيادى اليافعة لتحقيقها رويدا دونه الانفعالة الاولى، ودونه الصرخة الأولى، ودونه الحجر الأول.. تبقى التجربة قد أرسلت بظلالها وسقت تلك الأحلام بل طعمتها بالواقع المعيش وكيف عليها أن تخرج فى المرة الثانية أكثر تنسيقا وتنظيما وقدرة على الصمود فى وجه العواصف المعادية الداخلية منها والخارجية.. المحلية الصنع أو المستوردة.. النابتة فى مزارع الموت أو فى الزوايا المظلمة من المدينة. هذه الأحلام تتسلل كالنعاس أو ربما كالنوم الأول فى ما قبل الليل.. هى الأحلام التى لها كثير من الحيوات كلما ضاقوا بها، أعادت انتاج نفسها فى صور متعددة وأنماط متطورة لم يسبق لها مثيل.. ليس حقيقة أن الأحلام تتشابه ربما تتقاطع ولكن هناك شكلا لكل حلم منها مختلف عن الآخر كاختلاف وتنوعات البشر على أشكالها وألوانها وثقافاتها.. يأتى الحلم شخصى جدا ولكنه فى لحظات يصبح جماعيا أيضا ولكن مع تنوعات.

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات