وضعت زيارة البابا تواضروس الثانى إلى القدس المحتلة، وإن حاولت الكنيسة المصرية التأكيد مرة تلو الأخرى أنها لتأدية واجب دينى وإنسانى بالصلاة على مطران القدس الراحل الانبا إبراهام، قضية التطبيع مع إسرائيل فى واجهة الجدل، بين من يرى أن الزيارة لا يجب وضعها إلا فى حدودها الدينية وعدم تسييسها، فى وقت يعتقد كثيرون أن الزيارة كسر لحظر قطعته الكنيسة على نفسها منذ 35 عاما بعدم زيارة الأماكن المقدسة تحت الاحتلال.
بداية، وحتى لا نقع تحت طائلة الاتهام بالمزايدة، وهى الكلمة التى خرجت على لسان عدد من الإخوة الأقباط، نقول إن الكنيسة الوطنية المصرية ملك لكل المصريين، ومن حق كل مصرى أن يتابع خطواتها باعتبارها واحدة من مؤسسات الدولة، ولن ترهبنا كلمة «المزايدة» عن التأكيد بأن زيارة القدس أحدثت شرخا فى جدار مقاومة التطبيع مع العدو الصهيونى، الذى طالما كانت الكنيسة المصرية ركنه الركين وخاصة فى ظل الراحل العظيم البابا شنودة الثالث.
ذهب البابا تواضروس إلى القدس المحتلة عبر مطار تل أبيب، وانتقل إلى القدس تحت الحراسة الإسرائيلية، وأقام عدة أيام تحت سماء ملبدة بالعدوان الإسرائيلى المتواصل بحق الفلسطينيين، والتضييق على حياتهم، فهل يمكن فصل الزيارة عما يدور بمحيطها السياسى، وعزلها بسهولة وقصرها على الواجب الانسانى؟!
يقول البعض، كما يقول رئيس السلطة الفلسطينية الملهوف على كسر الحصار الشعبى العربى على الإسرائيليين، إن زيارة السجين لا تعنى التطبيع مع السجان، ونقول إن زيارة السجين بإذن من السجان تعنى اعترافا بحقه فى اعتقال السجين، والتنكيل به وسلب حقوقه، بل ودعما للسجان فى ممارساته الوحشية التى تتم يوميا تحت مرأى ومسمع من الجميع.
لا أحد يشكك فى وطنية أى أحد، ولسنا فى باب المزايدة على التاريخ الوطنى العريق لكنيستنا المصرية، لكننا نسأل ما هى التداعيات السياسية لهذه الزيارة؟ وإن كانت ذات أهداف رعوية فقط، واحتراما لوصية الراحل الكريم الأنبا إبراهام، وحقه على الكنيسة المصرية، بل وعلى المصريين جميعا، العمل لتنفيذ تلك الوصية بأن يدفن فى القدس.. أليس لهذه الزيارة تأثير سلبى على قضية التطبيع مع إسرائيل؟.
والسؤال الآخر هل تمت الزيارة بمعزل عن حسابات الدولة المصرية فى التعامل مع هذا الملف؟ وهل نرى فى المستقبل توجها جديدا لدى الدولة فى تعامل المؤسسات والهيئات غير الرسمية فى الذهاب إلى القدس؟ والأهم مدى تأثير زيارة البابا على الحجاج المسيحيين الراغبين فى الذهاب إلى الأماكن المقدسة من دون إذن الكنيسة؟ ألا تعطى الزيارة هؤلاء فرصة لتبرير موقفهم؟!
هنا أحيل لما نشرته الصحف استنادا إلى العاملين فى مجال السياحة الدينية والحج إلى الأماكن المقدسة فى فلسطين المحتلة، الذين توقع أحدهم زيادة الرحلات بنسبة 60% فى العام المقبل مقارنة بالعام الماضى، وفى جيب من ستصب تكاليف هذه الرحلات؟ ألا يذهب غالبيتها إلى خزينة إسرائيل؟ وألا تقوى جنيهات المصريين فى هذه الحالة الاقتصاد الإسرائيلى، فيتحول إلى سلاح فى ظهورنا عند أول منعطف.
زيارة القدس المحتلة لم يكن هذا أوانها ولا مكانها، مع احترامنا للمبررات كافة التى بدت عصبية الطرح فى بعض الوقت من قبل الإخوة الإقباط، رغم أن المواطنة التى نتمسك بها جميعا تعطينا حق توجيه العتاب، بل وأحيانا النقد لما نراه تغييرا فى المواقف.