رد فعل أهالى مدينة رأس غارب وأبناء العديد من محافظات الوجه القبلى الغاضب على فشل الحكومة فى التعامل مع كارثة السيول التى وقعت فوق رءوسهم، له ما يبرره ولا أحد يستطيع أن يلومهم، فقد صدعنا العديد من المحافظين والوزراء عن الاستعدادات الجبارة التى اتخذت للتعامل مع السيول التى حذرت منها هيئة الأرصاد، وبات القاصى والدانى يتوقع وصولها، فيما عدا على ما يبدو السادة الوزراء أنفسهم الذين أوهمونا بأن كل شىء تمام.
استقبال أهالى رأس غارب رئيس الوزراء وعدد من الوزراء بالاحتجاج، الذى قال شهود عيان إنه وصل إلى قطع الطريق عليهم ومنعهم من استكمال جولتهم التفقدية لآثار الدمار التى خلفتها السيول، يبرهن من جديد أن الحكومة فى واد، فيما المتضررون من سياساتها فى وديان مغايرة تماما، فالحكومة التى أدمنت الاستيقاظ على الكوارث والأزمات ولا تتحرك إلا بعد فوات الأوان، كان منطقيا أن يخرج الناس عليها غاضبين.
الأهالى الذين وجدوا أنفسهم بلا ظهير لأكثر من ثلاثة أيام، يواجهون الموت والظلام بعد ارتفاع منسوب المياه لنحو المتر ونصف المتر فى بعض المناطق، وانقطاع التيار الكهربى، وانهيار الطرق، ماذا تنتظر الحكومة منهم غير قطع الطرق ومنع المسئولين من تفقد الأضرار التى لحقت بهم، بعد أن تهدمت بيوتهم ودمرت ممتلكاتهم، وجرفت المياه جثث أحبائهم فى مشهد كاشف للعجز الحكومى المتكرر مع كل أزمة.
أن تعجز الحكومة عن تدبير السكر فى الأسواق، أو تفشل فى السيطرة على الارتفاعات المتوالية فى الأسعار والمتاجرة فى قوت الفقراء، وحتى إن تقف مكتوفة الأيدى أمام انهيار الجنيه مقابل الدولار، شىء، وأن يترك الناس للعراء يوجهون عنف الطبيعة وحدهم، شىء آخر.
إذا لم يجد الناس الحكومة حاضرة بقضها وقضيضها فى الكوارث، فمتى يجدونها إذن؟، حاجة الإنسان للأمان يأتى فى مقدمة الاحتياجات البشرية وهو مقدم على الطعام والشراب، ولعل هذا الأمر يتجلى فى مواجهة الكوارث الطبيعية التى تعصف بالبشر من وقت لآخر أحيانا من دون سابق إنذار، غير أن تقدم العلوم والتطورات التكنولوجية المتلاحقة التى تساعد الناس على النجاة من الفيضانات والسيول باتت شيئا متاحا، لكن يبدو أننا لا نريد الاستفادة مما هو متوفر للجميع فى تصريف حياتنا.
نحن لا نود التعلم من الأخطاء، ونصر على تكرار السلوك ورد الفعل ذاته فى كل مرة نواجه فيها الأزمات المتشابهة، وكلنا نتذكر كيف تعاملنا مع أزمة السيول فى سنوات التسعينيات، وإلى أى مدى عرتنا أمطار الإسكندرية التى وقعت فى مثل هذا الوقت من العام الماضى، ووقتها رحنا نتهم هذا ونهاجم ذاك، من دون الاعتراف بأننا نتعامل مع كل شىء باستهتار ورعونة، فالبلاعات التى كانت المتهم الأول، ربما تكون حتى اليوم مسدودة ولم تمتد يد «التسليك» إليها، وأخشى أن تواجه عاصمة مصر الثانية ذات المشكلة من جديد.
اليوم تتحدث الحكومة عن تعويض المتضررين، وترميم الطرقات المنهارة والتى ربما يكون بعضها لم يمض على رصفها سوى سنوات معدودات، ثم يخرج علينا وزير الإدارة المحلية قائلا أمام البرلمان إن الكوارث الطبيعية لا يمكن منعها وتحدث حتى فى أمريكا ذاتها، من دون أن يخبرنا سيادته كيف تتعامل الإدارة الأمريكية مع أمطارها وسيولها، فى التو واللحظة، وليس بعد مرور أيام من الكارثة.. وعلى ما يبدو فإن حكومتنا تمتلك أقوى «جهاز محليات»، لكن العيب فينا!!