اليوم يلتئم شمل العرب فى الجزائر لعقد اجتماع قمة مؤجلة منذ ثلاث سنوات بفعل جائحة كورونا، حيث ينتظر القادة العرب كومة كبيرة من القضايا والأزمات التى تراكمت من دون أن تمتد إلى ملفاتها يد على المستوى الجماعى الرسمى عربيا، وإن فتحت بعض ملفاتها على مستوى ثنائى، أو خلال قمم مصغرة بعيدا عن مظلة الجامعة العربية، وهو ما يضاعف الأعباء على المجتمعين فى المركز الدولى للمؤتمرات «عبداللطيف رحال» الذى يحمل اسم رمز وقامة جزائرية كبرى.
بنظرة سريعة على خريطة الوطن العربى يمكن لأى متابع للأحداث أن يلمس حجم التحديات التى تحتاج إلى تدخل لمنع تفجر صراع هنا، أو رتق نسيج خلافات هناك، فالوضع العربى «المهلهل» داخليا وإقليميا يلقى بظلاله على غالبية البلدان العربية التى تواجه، للأسف، حزمة كبيرة من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى كانت سببا فى اندلاع الثورات وانزلاق بعض بلدانها إلى أتون الحرب الأهلية.
فمن الخليج العربى شرقا، إلى موريتانيا غربا، لا يخلو بيت عربى من هموم ومشكلات بعضها يحتاج إلى جراحات عاجلة للبقاء على قيد الحياة، وبعضها الآخر يحتم تغليب المصالح العربية على المنافع القطرية الضيقة لتجاوز خلافات تزيد من معاناة الشعوب فى ظل تحديات يفرضها الأمن الغذائى العربى، وسط عالم يعانى نقصا حادا فى الحبوب، وارتفاعا جنونيا فى أسعار المحاصيل والوقود بفعل الحرب الروسية الأوكرانية، وسوء إدارة الموارد.
ومع تراكم وتفاقم المشكلات العربية، واتساع حجم التحديات، ربما يكون لسان حال القادة العرب يتساءل: من أين نبدأ؟ من فلسطين التى يتعرض شعبها لعمليات قمع وحشية يومية على يد قوات الاحتلال الإسرائيلى، واقتحامات لا تتوقف من المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك؟ أم نعطى اليمن الذى أتت الحرب الأهلية على الأخضر واليابس فى ربوعه؟.. أليس الأولى منح سوريا بما تواجهه من تدخلات إيرانية وتركية الأولوية القصوى من الاهتمام؟
ألا تستحق التهديدات الإيرانية لاستقرار دول الخليج العربية الاهتمام الأكبر، فى ظل لعب طهران بأوراق مذهبية مقيتة؟.. وتمضى التساؤلات لتصل إلى ليبيا التى تنام وتصحو على صراع محتدم بين حكومتين، لجأت إحداها (حكومة عبدالحميد الدبيبة) إلى الاستقواء بالخارج التركى وعقدت اتفاقيات أمنية مع أنقرة، بينما يتناهش الليبيون عواصم غربية تتلمظ لخطف حصة من كعكة النفط، وسط أزمة وقود تهدد الأوروبيين بشتاء قارس بلا تدفئة.
ليبيا ليست وحدها التى تشكل هما عربيا، مع حالة عدم الاستقرار وتفاقم المشكلات السياسية والاقتصادية والصراعات العرقية فى السودان، الذى يعانى أزمة فى الحكم، وخلافا بين مكون عسكرى وآخر مدنى فشل طرفاه حتى الآن فى التوصل لاتفاق يعيد إلى السودانيين جانبا من الهدوء والسكينة حتى تبحر السفينة فى بحر خال من العواصف.
ولعل تمثيل بعض العواصم بعد اعتذار ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان عن حضور القمة لـ«أسباب طبية» والخلاف على عودة سوريا إلى مقعدها، كما ترغب الجزائر، بل والخلافات الجزائرية المغربية بسبب قضية الصحراء، يضعنا أمام صورة أكثر تعقيدا من اللغة الدبلوماسية المتداولة فى الإعلام على لسان بعض المسئولين فى الجامعة العربية وخارجها بشأن حجم الآمال المعقودة على قمة الجزائر.
ليس هناك مواطن عربى لا يرغب فى «لم الشمل» كما هو الشعار المطروح للقمة العربية الـ31 التى تستضيفها الجزائر اليوم وغدا، لكن اضطراب المشهد على أكثر من ساحة عربية، وآخرها لبنان الذى بات بلا رئيس، وتقوده حكومة تصريف أعمال، فى ظل وضع اقتصادى هو الأصعب، يجعل سقف التوقعات للقمة متواضعا فى ظل غياب الإرادة الحقيقية لوضع حلول وتنفيذها، وربما نكتفى بـ«الحفاظ على شكل من أشكال التواصل الدائم والمستمر بين مختلف القادة وبعضهم البعض» كهدف للقمم العربية بتعبير مسئول كبير فى الجامعة العربية.