خطابات الرئيس فى عام - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:57 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خطابات الرئيس فى عام

نشر فى : الأحد 2 يونيو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 2 يونيو 2013 - 10:23 ص

يعول علماء السياسية كثيرا على تحليل الخطب السياسية للقادة، ذلك أنها تعبر عن توجهات السياسيين وتعطى مؤشرا لسياساتهم الحالية والمستقبلية، كما أنها تستخدم من قبل السياسيين لتمرير رسائل معينة لجموع الشعب.

 

وقد تستخدم بشكل ناجح للتغطية على سياسة فاشلة فتنجح فى إعطاء المستقبل شعورا إيجابيا يقنعه بالتجاوز على فشل السياسة أو الصبر عليها، كما أنها قد تستخدم بشكل فاشل يؤدى إلى إفشال سياسة ناجحة بالفعل أو فى طريقها للنجاح! وبتحليل أهم خطب الرئيس خلال العام المنصرم يمكن استخلاص سبع ملاحظات رئيسية على النحو التالى:

 

أولا: ترنح الرئيس كثيرا فى خطبه بين الشعبوية ورجل الدولة والخليفة، فبدأها بخطبة الأهل والعشيرة والتى لم يكن فيها الرئيس أكثر من شيخ قبيلة، ثم انتقل إلى محاولة تلبس دور الزعيم القومى فى خطبته الأولى (والأخيرة بالقطع) فى ميدان التحرير، ففتح صدره للجماهير وحاول إلهاب حماسهم بكلمات ثورية ما لبثت أن ذابت وضاعت مع الأيام، ثم حاول تقمص دور الزعيم الشعبوى فى خطبة استاد القاهرة احتفالا بنصر اكتوبر.

 

ثم عاد للأهل والعشيرة فى خطاب الاتحادية والذى رسخ الاستقطاب رسميا فى البلاد، ثم حاول بعد ذلك تدارك الموقف قليلا ببعض الخطب المنمقة الهادئة مع بعض القنوات المصرية والعربية، وفى أثناء ذلك كان يحاول تقمص دور خليفة المسلمين فى خطب الجمعة وبعض الخطب الخارجية (خطابه فى الخرطوم على سبيل المثال)، إلا أنه وللإنصاف توقف أخيرا عن خطب المساجد بعد حملة انتقادات شديدة، وهو ما يحسب له على أية حال!

 

ثانيا: حرص الرئيس فى معظم الأحيان على إحاطة سياق خطبه بموجات مد جماهير فى الخلفية تتمايل طربا مع كلماته، وهو أمر مصطنع بامتياز وهو أسلوب سلطوى قديم فى اصطناع شعبية زائفة وفى تقديرى خصم كثيرا من رصيد الرئيس لدى فئات المجتمع من خارج حزبه وجماعته ولاسيما فئات الشباب والليبراليين، وهو أمر ساهم فى زيادة الاستقطاب وتعميقه لا العكس.

 

●●●

ثالثا: فشل الرئيس طوال الوقت فى مخاطبة المصريين بعبارات يعرفونها ويستسيغونها، فقد صمم على عبارات دينية غريبة على المجتمع المصرى، وقرر تعويض امتناعه عن خطب الجمعة فى المساجد بجرعات زائدة من الخطب الدينية فى سياقات غير دينية بالضرورة مما افقدها بوصلة المضمون والسياق، والأهم أنها نفرت قطاعات كبيرة من المصريين من الاستماع لخطب الرئيس وانتهى بهم الأمر إلى اعتباره لا يمثلهم من الأساس!

 

رابعا: عجز الرئيس بوضوح عن اختيار توقيت ومكان ظهوره، فحينما كان ظهوره مهما اختفى وآثر السكوت والاختفاء، وحينما كان سكوته مهما تكلم وآثر الظهور، وهو أمر خطير فى السياسة لأن الناس حينما تحتاج القائد ولا تجده فإنها تفتقده ثم بمرور الوقت وتكرار الغياب تعتبر أن وجود القائد يساوى عدمه وهو قطعا ماحدث فى الحالة المصرية خصوصا أن الرئيس حينما قرر الظهور فإنه ظهر منحازا لأنصاره سياقا ومضمونا.

 

●●●

خامسا: تحليل خطابات الرئيس يكشف كذلك حقيقة مؤلمة وهو أن فهم الرئيس لما يجرى من حوله مبسط وسطحى بشكل خطير، فتكاد لا تخلو خطبة للرئيس إلا وهو متحدثا عن «الحب» و«العزيمة» و«الإيمان» و«الدعاء»، وكيف أن وبهذه القيم سنحل كل المشكلات من سد النهضة الإثيوبى إلى مشاكل نقص الكهرباء!

 

أعتقد أن هنا يكمن الخطر الحقيقى، فالرئيس فى تقديرى ليس خائنا ولا قاتلا، كما يرى البعض، ولكنه ببساطة يرى الأمور أبسط كثيرا مما تبدو، وهذا خلل واضح فى جهاز الاستقبال لديه، وبالتالى يظهر منعكسا على إرساله!

 

سادسا: لمن وجه الرئيس خطبه خلال العام المنصرم؟ هل يدرك الرئيس أن تحليلا بسيطا لمعظم الخطب التى ألقاها يظهر أن مستمعه الوحيد كان أنصاره من الحزب والجماعة وبعض البسطاء ممن استساغوا الكلام أو الطريقة؟! لا أعلم أن كان الرئيس يدرك تلك الحقيقة أم لا، إن كان يدركها فهذا إذن خياره وليتحمل تبعاته إذا، وإن كان لا يدركها فها نحن نبين.. خطبكم سيادة الرئيس لا يسمعها ولا يستسيغها سوى أنصاركم!

 

سابعا والأهم من يكتب خطب الرئيس؟! من كتب خطبة الأهل والعشيرة؟ من كتب خطاب الاتحادية؟ من كتب خطاب أزمة بورسعيد؟ من كتب خطاب المجتمع المدنى؟ إنها كارثة بكل المقاييس أن يكتب خطب الرئيس شخصا بهذه السطحية أو ربما بهذا الخبث، فكثيرون طلب منهم كتابة خطب للرئيس وفعلوا ولم يؤخد بكلامهم حرفا واحدا فلماذا؟!

●●●

 

كانت خطب عبدالناصر كاريزمية ملهمة، فيما خلط السادات بين كاريزما رجل الدولة والشعبوية، أما مبارك فقد التزم فى خطبه برجل الدولة والدبلوماسى.

 

أما فى حالة مرسى فقد حاول تقليد الجميع، وفشل فيحاول الآن العودة إلى خطاب الخليفة ولن ينجح حتما لأنه لا هذا زمانها ولا هو رجلها ولم يعد أمامه إذا بعد عام كامل من الخطب غير الموفقة سوى أن يعود بخطابه إلى نمط رجل الدولة قليل الكلام كثير الفعل، ولن يصل إلى تلك المرحلة إلا بعد أن يوجه خطابا شجاعا فى الذكرى السنوية الأولى يعتذر فيها عن أخطائه وخطاياه فى السنة الأولى من حكمه، فهل يفعلها أم يعاند ويتغنى بإنجازاته؟ لننتظر ونرى!

 

 

مدرس النظم السياسية المقارنة ــ جامعة القاهرة

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر