فى أزمة سقوط الطائرة الروسية تبقى الألغاز حاضرة، الغرب يفتح النار فجأة، يتزعزع موقف موسكو أيضا فجأة، فيما نتائج التحقيق فى الكارثة الجوية لم تعلن، ترتعش بعض الأقلام وترتعد فرائص آكلى لحوم الأوطان على كل الموائد، خشية مواجهة يرون أن غيومها تتجمع فى الأفق، يتعلل البعض بأخطاء هنا وهناك، للفرار من الميدان .
ظلت مصر طوال ثلاثين عاما من حكم مبارك تقدم للغرب كل القرابين، ما أفقدها القدرة على الحركة، وتيبست مفاصل الدولة، وكاد بعضها أن يتفتت عظامه بعد أن وصل الإخوان إلى سدة الحكم عقب ثورة 25 يناير، قبل أن يلملم المصريون شعث ما تبعثر فى السنوات العجاف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وسط شرق أوسط ملتهب يصر الغرب على توزيع شظايا نيرانه فى كل اتجاه.
فوجئت العواصم الغربية ــ خاصة واشنطن ــ بثورة 30 يونيو، وانحياز الجيش المصرى للملايين التى خرجت من جديد إلى الميادين لاسترداد دولتهم، والتخلص من جماعة دخلت فى أحلاف «غير مقدسة» مع ساكنى البيت الأبيض، لتقديم كل فرائض السمع والطاعة، غيرت المعادلة الجديدة فى مصر كل الحسابات، فهل كان أحد يتوقع أن تمضى الأمور بسهولة؟!
فتح الإخوان طاقة العنف، وتدثروا بحلفائهم الذين أعطوهم منصات إعلامية وملاذات آمنة، لتكثيف هجماتهم على مؤسسات الدولة ومرافقها الحيوية، ومحاولة إرباك الشارع المصرى، وتعطيل أى فرصة للاستقرار، وعندما كسرت شوكتهم، جاءت دورة أخرى من الترصد، ولا أحد يحاجج بأننا نلجأ إلى نظرية المؤامرة، فقد بات اللعب على المكشوف، ولا أحد يدارى أوراقه على الطاولة، والهدف تقليص دورك فى الإقليم ــ على أقل تقدير ــ إن لم يتم إدخالك فى أتون «الفوضى الهدامة» التى لحقت بدول مجاورة.
واتخذت مصر خطا جديدا فى أفقها الداخلى، انعكس على تحركاتها الإقليمية والدولية، انفتاح على كل الأطراف فى أرجاء الأرض الأربعة، موقف واضح مما يدور على الأرض السورية، حرب ضروس ضد التنظيمات الإرهابية، مع دعوة مخلصة لتعاون دولى فى مواجهة الإرهاب الذى اكتوى الجميع بنيرانه.
فى الداخل انهمك المصريون بعد 30 يونيو فى السعى الحثيث للخروج من أزمات الاقتصاد المزمنة، واجتهدوا شرقا وغربا من أجل جذب استثمارات تتمنع عن الحضور، ويكتفى بعض أصحابها بإطلاق الوعود، فيما المشكلات اليومية تزيد من صعوبات الحياة التى ندفع جميعا فاتورة تراكمها بسبب فساد عشش فى دواليب الحكومات المتعاقبة خلال عشرات السنين.
فى الخارج اتخذ البعض ــ من أجل مصالحه وليس لسواد عيوننا ــ الوقوف إلى جوار مصر، وتلكأ آخرون فى مد جسور التعاون انتظارا لما ستسفر عنه الأيام، فيما استغل البعض الثالث الظرف للى الأذرع تارة، والمناورة بإظهار الود المكذوب تارة أخرى، لكن فى المحصلة استطعنا عبور أدق اللحظات خطورة، تلك التى تلت 30 يونيو بما تخللها من ارتباك.
اليوم، وبعد أن اتضحت عدة حقائق، ولم تعد الأمور على غموضها اللانهائى، ندخل فى مرحلة الاحتكاك الخشن، واللعب غير النظيف، على ساحة هى أصلا لا تعرف إلا لغة الابتزاز، والصفقات غير الشريفة، هنا لا يجب التعويل إلا على قوانا الذاتية، ما يتطلب تغييرات حقيقية تدفع تجاه أوسع اصطفاف وطنى، عبر ضرب الفساد فى مقتل، واتخاذ قرارات جريئة تجعل من الحرية والعدالة الاجتماعية واقعا ملموسا فى كل بيت، ضمن خطة نهوض شاملة، لا تجعل ظهورنا مكشوفة للريح.