عشرون عاما مضت على الثلاثاء الدامى، 11 سبتمبر 2001، عندما توالت الهجمات الإرهابية، بثلاث طائرات ركاب مدنية مخطوفة، صبيحة ذلك اليوم على رموز العظمة الأمريكية كبرجى مركز التجارة العالمى فى مانهاتن فى نيويورك، ومقر وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» فى أرلينجتون فى فرجينيا قرب واشنطن، قبل أن تفشل طائرة رابعة فى استهداف كابيتول هيل، مقر الكونجرس، وتتحطم فى بنسلفانيا.
ووسط أجواء من الحزن، وتقليب المواجع، أحيت الولايات المتحدة الذكرى الأليمة باحتفالات رسمية وشعبية فى مواقع الهجمات التى خلفت نحو 3000 قتيل، حيث تجمع عدد من الرؤساء الأمريكيين السابقين يتقدمهم الرئيس الحالى جو بايدن فى محاولة للم شتات أمة منقسمة على ذاتها عقب 20 عاما مما اسمته حكوماتها المتعاقبة «الحرب على الإرهاب»، قبل أن تسقط الراية بتسليم «الجمل بما حمل» إلى حركة طالبان، عدوها اللدود فى أفغانستان.
اليوم يتذكر الأمريكيون أحباءهم الذى راحوا ضحية الهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن، واليوم أيضا يجب أن يتذكروا أن النصر فى الحرب على الإرهاب لايزال بعيد المنال، وأن الحروب التى تدمر شعوبا، وتزهق أرواح أبرياء لا ذنب لهم فيما جرى فى نيويورك وواشنطن، لا يمكن لها أن تنهى «مهمة» أو أن تجلب أمنا، ولعل ما حدث فى أفغانستان ثم العراق، خير شاهد على الفشل المريع الذى حصدته الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون فى حلف «الناتو» من حرب بلا نصر.
يتحدث بايدن عن ضروة وحدة الأمريكيين، وأن درس هجمات 11 سبتمبر يشير إلى أن «الوحدة هى أعظم قوتنا»، غير أن الرئيس الأمريكى الأسبق جورج دبليو بوش، الذى وقعت الهجمات فى عهده، بدا خائفا على وحدة الأمريكيين تلك، وقال إن الانقسام اليوم يجعله يشعر بـ«القلق» على مستقبل بلاده، وهو ما يعكس الخلافات داخل المجتمع الأمريكى بشأن العديد من السياسات وفى مقدمتها طريقة الانسحاب من أفغانستان.
فى نظر العديد من المحللين، يعد الانسحاب الأمريكى من أفغانستان وترك الأراضى الأفغانية لقمة سائغة فى يد طالبان «أكبر انتصار للإرهابيين»، وعلى سبيل المثال اعتبر جيرارد بيكر فى «التايمز» البريطانية أن «ثمن الحرب على الإرهاب لم يكن يستحق المكسب، إذ قتل أكثر من 7000 من الجنود الأمريكيين فى أفغانستان والعراق، فيما تشير التقديرات، إلى مقتل عدد مماثل من المقاولين والموظفين المرتبطين بالقوات الأمريكية أيضا، وهو ما يعادل خمسة أضعاف عدد ضحايا أحداث 11 سبتمبر».
لكن لماذا فشلت أمريكا وانتصر الإرهابيون؟، ثمة إجابة فى نظر البعض تقوم على أن الولايات المتحدة اختارت التركيز الشديد على العمليات العسكرية والأدوات الخشنة فى مكافحة الإرهاب، وتجاهلت الاستثمار فى أدوات أخرى للقوة، مثل القنوات الدبلوماسية والمعلوماتية والمالية، مع مد جسور التواصل مع الأمم والشعوب، والتخلص من السياسات التى تولد الغضب والكراهية من النهج الأمريكى المتغطرس الذى خلف عداء متأصلا فى بعض النفوس.
الولايات المتحدة مدعوة، إذا كانت قد تعلمت درس 11 سبتمبر، وما تلاه من إخفاق فى الحرب على الإرهاب، إلى سياسات أكثر نفعا فى التعاون مع الأمم والشعوب، وتخفيض حدة الصراعات فى العديد من المناطق على الخريطة الدولية، والسعى بجدية مع شركائها وحلفائها وحتى منافسيها لمواجهة التحديات التى يمر بها العالم مثل وباء كورونا، وقضايا التغيير المناخى، جنبا إلى جنب ملف مكافحة الإرهاب.
درس 11 سبتمبر يقول إن الإرهاب آفة دولية، والقضاء عليه يتطلب سياسات قائمة على العدل والمساوة واحترام إرادة الشعوب، والابتعاد عن مساندة الأنظمة والحكومات التى تقمع تلك الإرادة، لأنها الباب الملكى لمرور الإرهابيين، وتوسيع دائرة خطرهم.